Print this page

عزالدين ملا: النظام التعليمي في كوردستان سوريا نحو الهاوية

11:20:23 AM

RojavaNews: تستمر الأزمة السورية وتزداد معها معاناة الطلاب إلى الأسوأ، دون بروز طاقة أمل تبشر بانفراج قريب، فالمواطن السوري تأقلم خلال سنوات السبع التي مرت من الأزمة السورية مع الوضع الأمني والمعيشي، لأمله بمستقبل جيد لأولاده، من خلال متابعة تعليمهم، ولكن أن يجعلوا من التعليم بازاراً لتحقيق مآربهم السياسية، هذا ما لا يقبله العقل والمنطق.

في كوردستان سوريا ومنذ أن فرضت سلطة أمر الواقع نظاماً تعليمياً غير مدروس وغير ممنهج، بدأ المواطن الكوردي يشعر بالخوف على مستقبل أولاده، مما جعله أمام خيارات إما بالهجرة وترك الوطن والذهاب إلى بلاد الاغتراب في سبيل تأمين سبل تعليمية أفضل لأولاده، أو تسريبهم من المدارس وإدخالهم في معترك العمل لمساعدة الأسرة في تأمين لقمة العيش، إلا القلة القليلة فقد سربوا أولادهم من المدارس، وأخذهم إلى المعاهد وفتح دورات تعليمية في جميع المواد الدراسية رغم ارتفاع تكاليف هذه المعاهد مما يزيد من أعباء الأسرة، ورغم ذلك رضي المواطن الكوردي بذلك من أجل أولاده مع علمه بمستقبل مجهول دون فقدان الأمل، ولكن القرار الصادر من سلطة أمر الواقع بإغلاق كافة المعاهد التعليمية تحت حجج واهية، وإقحام أيديولوجيتهم في المرحلتين الإعدادية والثانوية، وتقديم كادر تدريسي غير مؤهل للإشراف على هذه المراحل مع بداية السنة الدراسية الجديدة، مما أدخل الرعب في قلوب الأهالي على مستقبل أولادهم، إن هذه الأساليب ماهي إلا ممارسة أخرى ضمن ممارساتها البعيدة عن مبدأ الكوردايتي، في سبيل إفراغ المنطقة الكوردية من ممن بقي فيها من جهة، وزيادة الجهل والتخلف بين الكورد من جهة أخرى. نحن لا ننكر أننا ومنذ آلاف السنين وحتى اليوم نطالب بحقنا الطبيعي وتعلُّم لغتنا الأم الكوردية وهذا حقنا ونحن نطمح إليه، ولكن ليس بهذا الشكل فهناك طرائق وأساليب ووسائل يجب أن تدرَس بدقة تامة لإعدادِ جيلٍ ناجح يساهم في تطور وتقدم مجتمعه على كافة الأصعدة.

في زاوية إحدى شوارع قامشلو كانت تجلس فتاة وفي يدها دفتر وقلم وهي منهمكة بالكتابة وكأنها في صراع، وعندما اقتربتُ منها،ارتجفت قليلاً وأخفت الدفتر والقلم خلف ظهرها. ابتسمت!!.. وقلت لها لماذا أخفيت الدفتر خلف ظهرك؟. أجابت وهي مرتبكة « لا أعرف...ولكن خفت... »، هذه الكلمات أشعرتني بالرعب من مستقبل مجهول لأطفالنا وكأن الطفلة أدركت مصير مستقبلها المجهول دون وعي منها.

فصل التعليم عن السياسة

تحدث عبد الكريم محمد أبو لقمان عضو المكتب السياسي في الحزب الديمقراطي الكوردستاني- سوريا لصحيفتنا «كوردستان» في سؤالٍ عن الوضع التعليمي في كوردستان سوريا إلى أي مدى وصلت، قال: "كما تعلمون ومنذ بداية الثورة نقول نحن لسنا ضد اللغة الكوردية بل نحن مع لغتنا ولكن عند قيام الدولة الكوردية الـمستقلة، في حال يكون - من أجل أطفالنا عند حصولهم على شهادات عليا- معترفة بها عالمياً حتى يستطيعوا العمل بها، وفي هذا الوقت فإن التعليم يضعف مستواه نتيجة قلة الكوادر التدريسية، والمنهاج المطروح ليس في المستوى المطلوب لأن القائمين عليها ليسوا خبراء ومستواهم التعليمي متدنٍّ بالإضافة إلى المنهاج المؤدلج والفكر الأوحد".

تابع أبو لقمان : المطلوب إخراج التعليم من الصراعات السياسية، بذلك ستكون له سبل النجاح أكثر، وهذه غايتنا حتى يتمكن أبناؤنا من بناء وإدارة هذا الوطن، وفي جميع المجالات. من الخطأ توجيه الشعب نحو أيديولوجية الفكر الواحد.

يؤكد أبو لقمان على فصل التعليم عن السياسة فيقول: « نحن نؤكد دائماً على فصل التعليم عن السياسة، التعليم مستقل وحر، والاعتماد على خبراء في هذا المجال والاستفادة من الدول المتقدمة - الدول وصلت إلى الفضاء- وهؤلاء بدؤوا يعتمدون على أنصاف شهادات لا يفقهون شيئاً، فيخضعونهم لفترة شهرين للغة الكوردية حتى يأتوا ويعطوا دروساً علمية وأدبية لأطفالنا، هذا يؤدي إلى الـدفع بمستقبل أطفالنا نحو مصير أسود، إذا فقدنا العلم فـسيصبح أطفالنا جهلاء وبالتالي سيؤدي بذلك نحو الكثير من المشاكل في المستقبل.

كما أضاف أبو لقمان: « المطلوب من هؤلاء القائمين على هذا المجال وضع حصتين أو ثلاث حصص كوردية. كانت المادة اللغة العربية مادة رسوب، ليس هناك مشكلة إذا جعلوا اللغة الكوردية مادة الرسوب إن اتفقوا مع اليونيسف أو مع النظام، هذا عمل القائمين على وضع المنهاج ».

تابع أبو لقمان: « دعوا المنهاج كما كان، فلم يعترف بنا أحد حتى نغير هذا المنهاج، الطالب الكوردي سوف يتعلم شيئاً فشيئاً لغته الكوردية قراءة وكتابة، كلنا مع هذا الجانب، ولكن أن تقوم بتعليم اللغة الكوردية وحدها دون اللغة العربية وعدم وجود مختصين لوضع المنهاج وعدم وجود أصحاب الشهادات للقيام بالتدريس سيؤدي ذلك إلى الجهل والتخلف، هذا ما لا نريده ».

عند لقاءنا بالمواطن جمشيد وهو أب لأربعة أولاد تحدث إلى صحيفة «كوردستان» وفي قلبه الحسرة والدموع تملاً عينيه: « أنا موظف وزوجتي موظفة وأعمل أيضاً في عمل إضافي وكل ذلك من أجل تعليم أولادي، أعلم أن أولادي لا يحصلون على تعليم كافٍ نتيجة الفوضى في المدارس، أقوم بفتح دورات تعليمية لهم في المعاهد القريبة من منزلنا، وأدفع تكاليف باهظة في ذلك في سبيل حصول أولادي على نتائج جيدة، ولكن كل يوم نسمع بفرض قرار أو إجراء جديد يزيد من معاناتنا، فمثلاً القرار قرار إغلاق جميع المعاهد ضمن مناطق سيطرة ما تسمى الإدارة الذاتية، وكذلك فرض منهاج الإدارة الذاتية في المرحلتين الإعدادية والثانوية، هذه القرارت ليست في محلها، وتضر جميع الطلاب، فبذلك أصبح مستقبل أولادنا في مهب الريح ».

ويتابع جمشيد: « على كل الأطراف احتكام العقل والانتباه إلى خطورة ما يجري بالنسبة للوضع التعليمي ليس فقط في المناطق الكوردية بل في جميع المدن السورية، وأتمنى من الجميع إخراج التعليم من بازراتهم السياسية، فإذا ضاع مستقبل الجيل ضاع الوطن بكامله ».

سوسن طالبة حادي عشر تتحدث إلى صحيفتنا «كوردستان» والدموع تملأ عينيها: « إنني أبذل كل طاقاتي في الدراسة لأحصل على الشهادة الثانوية بعلامات عالية، لأدخل الـفرع الذي أرغبه وهو كلية الطب، ولكن بإغلاق معاهد  التدريس، وإدخال منهاج جديد بعيد كل البعد عن منهاج الشهادة الثانوية ، كل ذلك أدخل الخوف إلى قلبي، فإني لا أحصل على التعليم الكافي في المدارس، لإغلاق معظمهم معظمها فنحن نعتمد على المعاهد لنحقق أحلامنا، أما الآن - بعد إغلاق المعاهد وفرض منهاج جديد - ماذا أفعل؟.. إلى أين أتوجه؟.. فمستقبلي ضاع ».

لجينا سليمان اختصاصية اجتماعية تعمل في منظمة حقوقية تحدثت لصحفتنا «كوردستان»: «انهارت البنية التحتية للنظام التعليمي في سوريا فهناك ثلاثة ملايين طفل سوري لا يذهبون إلى المدرسة مما يجعلهم عرضة للاستغلال، وتدمير أكثر من ثلاثة أرباع من المنشآت التعليمية، ومستقبل الأطفال والأمن والاستقرار الاقتصادي في سوريا غير مضمون يشكل حرمان الطفل من حقه في التعليم.

تتابع لجينا: « لم نشهد وقتاً أخطر من الوقت الحالي للحصول على التعليم في سوريا، حيث تستهدف جميع القوى الموجودة على الأرض المدارس. فقد عانت معظم مدارس سوريا تخريباً أو تدميراً أو جعلها مأوى للنازحين ."

تضيف سليمان: « على الرغم من هول حجم الاعتداءات على التعليم والمخاطر التي يتعرض لها الأطفال إلا أنه من الضروري أن نتذكر أن ذلك لا يعني أن يتوقف التعليم. إن حصول الأطفال على التعليم في جميع الظروف ليس فقط من حقهم وإنما يمكنه أن يحميهم، فذهاب الطفل إلى المدرسة يجعله أقل عرضة للاستغلال، كما تساهم المدرسة في تحسين حالة الطفل حيث توفر شعوراً بالاستقرار في حياته وتعلمه كيفية التكيف مع ظروفه.

أما في ما يتعلق بالتعليم في المناطق الكوردية فقد قالت لجينا: « التعليم الذي يناله البعض فهو متقطع وغير كافٍ. فالمناهج غير المدروس والعوائق اللغوية والعنصرية ضد الأطفال كلها عوائق تحول دون حصولهم على التعليم بشكل كامل. ومعظم الأطفال في المناطق الكوردية يتم التفريق بينهم فمثلاً يتم تعليم الأطفال حسب قوميتهم أو طائفتهم، أطفال الكورد لهم مدارس يتعلمون فيها هذه تحت سيطرة الإدارة الذاتية ويتعلمون باللغة الكوردية فقط، وأطفال العرب لهم مدارس تحت سيطرة النظام، وكذلك المسيحية، هؤلاء يتعلمون باللغة العربية، إن هذا الأسلوب يولد لدى الطفل نزعة عنصرية هذا ما لا نريده ولا يقبله العقل والمنطق ».

تضيف لجينا: « كل ذلك يجعل حصول الطلاب على التعليم مرتبطاً بالبازار السياسي، وكذلك الضغوط المالية الهائلة التي يرزح الأهل تحتها، فيضطر الأهل إلى إدخال أطفالهم في مجال العمل لمساعدتهم في تخفيف الظروف المعيشية مما يبعدهم عن المدرسة ويقلل من فرصة عودتهم إليها .

وتتابع لجينا سليمان: " كل طفل له الحق في التعليم مهما كانت ظروفه. وهناك أيضاً اعتبارات سياسية واقتصادية تجعل من الحصول على التعليم أولوية في جميع الدول. إن انخفاض جودة التعليم يعرض الجيل إلى خسارتهم من فوائد التعليم في الحماية والفرص التي يوفرها لتوسيع مداركهم وآفاقهم في المستقبل".

لذلك نرى أن المجتمعات تتقدم وتتطور بتقدم كل جيل جديد نظراً للتطور الملحوظ الذي يشهده العالم بأسره وخاصة من الناحية التعليمية, إلا أن الصراع الدائر في سوريا، وكذلك القرارات التي يصدرها «ب ي د» بحق الطلبة من تطبيق مناهجِ غير مدروسة على المراحل التعليمية ستودي بهم إلى حافة الهاوية.

وهنا يجب على جميع الأطراف السياسية في سوريا عامةً وفي كوردستان سوريا خاصة احتكام العقل وإدراك خطورة هذا الوضع، وكذلك يتطلب من المجتمع الدولي وكذلك المنظمات الحقوقية والإنسانية التدخل من أجل حماية التعليم ومنعها من الانهيار، فانهيار التعليم يؤدي إلى انهيار وضياع الأجيال القادمة.

صحيفة كوردستان العدد 574