باحث الكوردي: دراسة النظام القانوني لحماية المدنيين في زمن النزاعات المسلحة دراسة تطبيقية على القضية السورية

باحث الكوردي: دراسة النظام القانوني لحماية المدنيين في زمن النزاعات المسلحة دراسة تطبيقية على القضية السورية

RojavaNews: نشر الباحث الكوردي منتصر شيخ موسى داود دراسة النظام القانوني لحماية المدنيين في زمن النزاعات المسلحة دراسة تطبيقية على القضية السورية

 إن الغرض المنشود من إعداد هذه الرسالة المقتضبة هو- في المقام الأول- إبراز الأهمية التي يتسم بها القانون الدولي الإنساني، وخاصة اتفاقية جنيف الرابعة لسنة 1949وبروتوكولها الإضافي الأول لسنة 1977، بما يوفره من حماية للمدنيين في زمن النزاعات المسلحة، في حال وقوعهم ضحايا لتلك النزاعات.

  ثمّة جرائم كثيرة تُرتكب بحق المدنيين بحجة متطلبات الحفاظ على الأمن. ونذكر من أشكالها الواردة في القانون الدولي الإنساني:

  استخدام الغازات المسيلة للدموع، زراعة الألغام المضادة للأفراد، استخدام سلاح التجويع ضد المدنيين أو ما يسمى بالضغط الاقتصادي، استخدام أسلحة محظورة دوليا مثل "الدمدم" متفجر الرأس أو قذائف أو مواد من شأنها أن تسبب آلاماً لا مبرر لها، وخصوصا المقذوفات ذات المعيار الصغير والسرعة الأولية الكبيرة، الاعتقال التعسفي والتعذيب والتصفية الجسدية والاغتيالات. وقد دفع ارتكابُها في أمكنة كثيرة المجتمعَ الدولي إلى الوقوف في وجهها، وتنظيمها عبر القانون الدولي الإنساني من خلال اتفاقيات جنيف الأربعة وبروتوكولاتها.

  يطلق على القانون الدولي الإنساني اسم قانون النزاعات المسلحة، أو قانون الحرب أيضاً. وهو يتكون من قواعد تستهدف - في زمن الحرب - حماية الأشخاص الذين لا يشاركون فيها، أو توقفوا عن الاشتراك في الأعمال العدائية.

  وتتمثل الصكوك الرئيسية للقانون الإنساني في اتفاقية جنيف الرابعة المؤرخة في 12 آب 1949، وفي بروتوكوليها الإضافيين المؤرخين في 8 حزيران 1977.  وتحمي اتفاقية جنيف الرابعة السكان المدنيين، لا سيما في أراضي العدو وفي الأراضي المحتلة. أما البرتوكولان الإضافيان، فقد عزّزا حماية السكان المدنيين من عواقب الأعمال العدائية، وقيّدا الوسائل والسبل المستخدمة في حالة الحرب أيضاً.

  تحظر هذه الاتفاقية مهاجمة المدنيين والأعيان المدنية، وتؤكد ضرورة اتخاذ كل التدابير الاحتياطية للإبقاء على حياة السكان المدنيين، كما تحظر مهاجمة أو تدمير المواد الاستهلاكية والأعيان اللازمة لاستمرار العيش (ومثال ذلك: المواد الغذائية والمحاصيل والماشية ومرافق مياه الشرب وشبكاتها وأشغال الري).

   كما تحظر تجويع المدنيين كوسيلة للحرب، وتفرض إيواء وعلاج الجرحى والمرضى، واحترام وحماية المستشفيات وسيارات الإسعاف وأفراد الخدمات الطبية والدينية ، واحترام شارة الصليب الأحمر والهلال الأحمر، والمعاقبة على أي سوء استعمال للرمزين الدالين عليهما، وتفرض على أطراف النزاع أن تقبل عمليات إغاثة السكان المدنيين ذات الطابع الإنساني غير المتحيز وغير التمييزي، واحترام العاملين في وكالات الإغاثة وحمايتهم.

  وقد أعدت اللجنة الدولية للصليب الأحمر مؤخراً سلسلة من الأنشطة المهمة لمصلحة الأشخاص المدنيين، لا سيما في رواندا والشيشان.  ففي رواندا اهتمت برعاية ما يزيد على مليون مدني أغلبهم من الأشخاص المهجرين.  وفي الشيشان شملت أنشطتها  مئات الآلاف من الأشخاص المهجرين في الغالب.  وفي هاتين الحالتين - وبصفة عامة- لم يكن عمل اللجنة الدولية يستهدف هذه المجموعة من الأشخاص فحسب، بل كان يندرج ضمن مجمل الجهود المبذولة لمساعدة السكان المدنيين أيضاً.

  وترى اللجنة الدولية أن الحماية بمفهومها العام، تهدف إلى ضمان امتثال السلطات ومجموعات أخرى بالتزاماتها المنصوص عليها في القانون الدولي الإنساني والقانون الدولي لحقوق الإنسان. وهي التي تكرس في جوهرها الحق في الحياة، واحترام لحمة الأسرة، واحترام كرامة الفرد وسلامته الجسدية والنفسية. وتحرص اللجنة الدولية أيضا على تفادي التصرفات التمييزية التي يمكن أن تحول دون حصول السكان المدنيين على الرعاية الصحية والمياه الصالحة للشرب والأراضي الزراعية، وما إلى ذلك.

  وفي سنة 1992 أصدر مجلس الأمن الدولي القرار 794 تحت أحكام الفصل السابع لدعم وحماية عمليات تسليم المساعدات الإنسانية للسكان المدنيين الذين طالتهم نار الحرب الأهلية عقب انهيار الدولة الصومالية. وعلى أساسها تم التدخل العسكري لأغراض إنسانية. كما أصدر مجلس الأمن القرار رقم 688 عقب حرب الخليج الثانية الذي عدّ نزوح مئات الآلاف من الكرد العراقيين عبر الحدود التركية بفعل إجراءات القمع التي مارستها الحكومة العراقية سنة 1991 تهديداً للأمن والسلم الدولي، وعلى أساسه تم حظر عمليات الطيران فوق شمال وجنوب العراق، وذلك لحماية المدنيين.

انتهاك حقوق المدنيين في النزاع السوري المسلح:

  تشهد سوريا خلال ثلاث السنوات الماضية انتهاكات صارخة بحقوق المدنيين من قبل النظام السوري. وقد بدأت بقلع أظافر أطفال درعا، ثم استخدام الرصاص الحي على المتظاهرين السلميين واعتقالهم وتعذيبهم حتى الموت حتى وصلت إلى إلقاء البراميل المتفجرة، ومحاصرة الأحياء المدنية، وقصف المستشفيات، واتباع سياسة تجويع المدنيين، واستخدام الأسلحة الكيماوية المحرمة دولياً ضد المدنيين. وهي أفعال تتنافى كلها مع القوانين الإنسانية والدولية في زمن النزاعات المسلحة.

  ويمكن تقسيم الانتهاكات على النحو الآتي :

1-   وضع المعتقلين :

  وردت في القسم الرابع من اتفاقية جنيف الرابعة قواعد محددة لأسلوب معاملة المعتقلين. وتنص على عدم اعتقال الأشخاص المدنيين المحميين، وأن توفر للمعتقلين أماكن آمنة تتوافر فيها كافة الشروط الصحية وضمانات السلامة وحمايتهم من قسوة المناخ. وتضع الدولة الحاجزة تحت تصرف المعتقلين، أياً كانت عقيدتهم، الأماكن المناسبة لإقامة شعائرهم الدينية، ويجب أن يتماشى النظام في المعتقلات مع المبادئ الإنسانية، وألا يتضمن بأي حال لوائح تفرض على المعتقلين إجهاداً بدنياً خطيراً على صحتهم أو إزعاجاً بدنياً أو معنوياً، وتحظر على وجه الخصوص إطالة الوقوف والنداءات، والتمارين البدنية العقابية.  

  وفي المادة الحادية عشرة من البروتوكول الأول منها نقرأ "يجب ألا يمس أي عمل أو إحجام لا مبرر لهما بالصحة والسلامة البدنية والعقلية للأشخاص الذين هم في قبضة الخصم، أو يتم احتجازهم أو اعتقالهم ،أو حرمانهم بأية صورة أخرى من حرياتهم".

   في سوريا كشف فريق من المحققين المختصين بجرائم الحرب وخبراء الطب الشرعي عما أسموها "أدلة مباشرة" لعمليات "التعذيب والقتل المنهجي"، التي يقوم بها نظام الرئيس السوري بشار الأسد.

  وأكد محامون ضمن فريق المحققين الدوليين أن التقرير- الذي يستند إلى آلاف الصور  لجثث القتلى الذين يُعتقد أنهم سقطوا داخل سجون تابعة للحكومة السورية - سوف يتم تقديمه إلى المحكمة الجنائية الدولية.

  وحصلت مذيعة شبكة CNN ، كريستيان أمانبور، على التقرير خلال مقابلة حصرية مع عدد من أعضاء الفريق. وكذلك فعلت صحيفة "الغارديان" البريطانية في تاريخ 20 / 1 / 2014 م ويستند التقرير في أدلته على شهادة أحد المنشقين عن النظام السوري والذي يحمل الإسم الرمزي ( قيصر )، وعلى سبعة وعشرين ألف صورة حسب التقرير وخمسين ألف صورة مشابهة هربت خارج سوريا حسب التقرير، ووفق التقرير فإن قيصر عمل كمصور في الشرطة العسكرية بنظام الأسد وعندما بدأت الثورة السورية كان يعمل على توثيق قتل المحتجزين.

   وقال ديفيد كراني، أحد المشاركين في وضع التقرير: "هذا دليل دامغ"، وأضاف أن "أي محقق ادعاء سوف يفضل مثل هذا النوع من الأدلة، الصور والعملية. هذا دليل مباشر على آلة القتل التي يقوم بها النظام." وتظهر الصور التي تضمنها التقرير جثث القتلى وقد تعرضوا لعمليات تجويع متعمدة، كما تبدو عليها أثار تعرضهم للضرب بقسوة، وآثار الخنق، وأنواع أخرى من التعذيب والقتل. وضمن مجموعة ضمت 150 صورة تم تحليل تفاصيلها بواسطة الخبراء، تبين أن 62 في المائة من الجثث قد بدا عليها هزال شديد، مما يشير إلى أنهم تعرضوا لعمليات تجويع قسرية، وغالبية الضحايا هم من الرجال الذين تتراوح أعمارهم بين 20 و40 عاماً. كما أشار التقرير إلى أنه تم إتباع نظام معقد لحصر أعداد وتصنيف الجثث، بواسطة عناصر استخباراتية لديها معلومات عن هويات الضحايا. وذكر التقرير أن ذلك كان وسيلة لتحديد الجهة الأمنية المسؤولة عن قتلهم .

  أحد المحامين الثلاثة الذين شاركوا في إعداد التقرير، هو السير ديزموند دي سيلفا، الذي كان أحد محققي الادعاء بالمحكمة الخاصة لجرائم الحرب في سيراليون أيضاً، وصف الصور بأنها أقرب إلى صور الناجين من "الهولوكوست." وقال في مقابلة مع  CNN  بتاريخ 20 / 1 / 2014 م إن هذه الجثث الهزيلة جاءت نتيجة استخدام التجويع كوسيلة للتعذيب، وأضاف: "هذه الصور تذكّر بأولئك الذين تم العثور عليهم أحياء في معسكرات الموت النازية، بعد الحرب العالمية الثانية."

  وأكد أن "هذا الدليل يؤيد بشكل قاطع الاتهامات بارتكاب جرائم ضد الإنسانية، بدون أي شك"، وتابع بقوله: "بكل تأكيد، ليس الأمر بيدنا لاتخاذ القرار، وكل ما علينا هو أن نقوم بتقييم هذا الدليل، ونقول إنه دليل يمكن القبول به أمام المحكمة ".

2- قتل المدنيين وارتكاب المجازرالجماعية :

  نقرأ في المادة الثالثة من اتفاقية جنيف الرابعة أيضاً: يلتزم كل طرف في النزاع بأن يطبق كحد أدنى الأحكام التالية: الأشخاص الذين لا يشتركون مباشرة في الأعمال العدائية بمن فيهم أفراد القوات المسلحة الذين ألقوا عنهم أسلحتهم، والأشخاص العاجزون عن القتال بسبب المرض أو الجرح أو الاحتجاز أو لأي سبب آخر يعاملون في جميع الأحوال معاملة إنسانية، دون أي تمييز ضار يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر. ولهذا الغرض تحظر الأفعال التالية فيما يتعلق بالأشخاص المذكورين أعلاه، وتبقى محظورة في جميع الأوقات والأماكن، وهي:

1-   الاعتداء على الحياة والسلامة البدنية، وبخاصة القتل بجميع أشكاله، والتشويه والمعاملة القاسية، والتعذيب.

2-   أخذ الرهائن.

3-   الاعتداء على الكرامة الشخصية، وعلى الأخص المعاملة المهينة للكرامة.

4-   إصدار الأحكام وتنفيذ العقوبات دون إجراء محاكمة سابقة أمام محكمة مشكلة تشكيلاً قانونياً، وتكفل جميع الضمانات القانونية اللازمة في نظر الشعوب المتمدنة. 

  فالنظام السوري خرق هذه المادة من اتفاقية جنيف الرابعة عندما أقدم على ارتكاب مجازر بحق السكان المدنيين، أبرزها مجزرتان، هما:

1-   مجزرة في قرية قبير بريف حماة في  السادس من حزيران 2012. وقبير هي قرية صغيرة جداً، سكانها من المسلمين السنّة، ومحاطة بقرى يسكنها علويون. وقد أقدم النظام السوري على قتل أكثر من مائة شخص فيها، وبطرق وحشية، ومثلوا بجثثهم ولم ينج من سكان هذه القرية إلا أربعة أشخاص. وجدير بالذكر أن سكان هذه القرية لم يشاركوا في المظاهرات المناهضة  للنظام، ولكن النظام ارتكب هذه المجزرة بحقهم، لأنهم من مسلمي السنّة. وهذا انتهاك واضح للمادة الثالثة من اتفاقية جنيف الرابعة التي تحظر التمييز الذي يقوم على العنصر أو اللون، أو الدين أو المعتقد، أو الجنس، أو المولد أو الثروة أو أي معيار مماثل آخر.

2-   مجزرة في بلدة الحولة الواقعة في ريف حمص، في يوم الجمعة 25 أيار 2012 م، وراح ضحيتها عشرات الأشخاص المدنيين، بينهم نساء وأطفال وشيوخ.

   وتفيد أغلب الروايات بأن دوافع المجزرة كانت طائفية، قامت بها قوات من النظام وشبيحته وعناصر أمنية وبعض سكان القرى العلوية القريبة، وبوجود لجنة المراقبة الدولية. وقد أكد الجنرال روبرت مود رئيس بعثة المراقبين الدوليين في 26 أيار 2012 م عبر مؤتمر صحفي بأنه تم اقتحام البلدة السنّية تحت غطاء ناري من قذائف دبابات النظام السوري، وقتل في هذه المجزرة 92 شخصاً، بينهم أكثر من 30 طفل. وأظهرت بعض مقاطع الفيديو مناظر وحشية ومرعبة لجثث أطفال ونساء غارقة بالدماء. وألقى السيدان كوفي عنان وبان كي مون اللوم على الحكومة السورية بقيادة بشار الأسد، واتهموه بتنفيذ إجراءات وحشية مخالفة للقانون الدولي.

   وأكد مراقبوا الأمم المتحدة أن الأدلة تتناقض فيما يبدو مع نفي الحكومة السورية أن تكون قواتها ومليشيا متحالفة معها هم المسؤولون عن المذبحة. وتوثّق لقطات الفيديو وروايات الناشطين والناجين ومنظمات حقوق الإنسان ومراقبوا الأمم المتحدة في سوريا كلها سرداً مروعاً بشأن العنف في منطقة الحولة. وفي هذا الصدد، قال المتحدث باسم مجلس حقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، روبرت كولفيل بتاريخ 29 أيار 2012 م بمؤتمر صحفي بجنيف:  إن 49 طفلا و34 امرأة كانوا بين القتلى، في حين قتل أكثر من عشرين شخصا في القصف. وقال كولفيل "من الواضح بشدة أن هذا كان حدثاً بغيضاً تماماً وقع في الحولة، وأن جزءاً كبيراً منه كان إعدام مدنيين نساء وأطفال بدون محاكمة".

3-   الهجوم على المستشفيات المدنية :

  جاء في المادة الثامنة عشرة من اتفاقية جنيف الرابعة "لا يجوز بأي حال من الأحوال الهجوم على المستشفيات المدنية المنظمة لتقديم الرعاية للجرحى والمرضى والعجزة والنساء النفاس، وعلى أطراف النزاع احترامها وحمايتها في جميع الأوقات". ولكن حسب مركز توثيق الانتهاكات في سوريا فإن العديد من المستشفيات تعرض للقصف والتدمير من قبل النظام خلال الصراع القائم. نذكر منها:

1-   تعرض المستشفى الميداني في مدينة الباب بحلب للقصف ثلاث مرات، الأولى في شهر تموز 2012، والثانية في شهر تشرين الثاني 2012، ثم آخرها في أيلول 2013م. وكان هذا المستشفى يستقبل حالات إسعافية من معظم مناطق حلب، سواء من المدنيين أو العسكريين ، مما أدى إلى توقف المستشفى عن العمل، ونقل المرضى الناجين إلى مستشفيات أخرى، وكانت حالات بعضهم حرجة. وخلّف هذا القصف سبعة شهداء وسبعة عشر جريحاً، معظمهم من الكادر الطبي ومن المرضى.

2-   استهداف مستشفى أورينت للأعمال الإنسانية في بلدة أطمة بريف إدلب، وتدميره بشكل كامل. وقد خلّف هذا الاستهداف 12 قتيلا و 60 جريحاً، وأصيب الكادر الطبي كله، وتم نقله إلى مستشفيات باب الهوى على الحدود التركية. وجدير ذكره بأن المستشفى هو مستشفى خيري تطوعي يقدم العلاج بالمجان. وسبق أن قصف النظام السوري مستشفى قرية القنيه بريف جسر الشغور التابع للمؤسسة نفسها.

  إنّ ما يجري في سوريا من استهداف للمستشفيات وقصفها بالأسلحة غير التقليدية وقتل الجرحى والمرضى لهو انتهاك صارخ لمعايير اتفاقية جنيف الرابعة ( المادة الثامنة عشر منها ) أيضاً، وكذلك للمادة الخامسة عشرة من بروتوكولها الأول، التي تنص على أن احترام وحماية أفراد الخدمات الطبية أمر واجب، ويجب تقديم كل مساعدة لهم لتمكينهم من القيام بمهامهم الإنسانية على أكمل وجه.

4- حماية المدنيين وإغاثتهم، وتحييدهم في الحرب:

  ثمة مبدأ أساسي في قانون جنيف يتعلق بحماية الأشخاص المتأثرين بالحرب، هو أن المحاربين عندما يكونون خارج المعركة، والمدنيين غير المعنيين بالمعارك المسلحة، لا يجوز أن يكونوا أهدافاً للعمليات العسكرية، ويجب أن يعاملوا بإنسانية.

   ويتعرض جانب من القانون الإنساني إلى حق المحاربين في الحصول على الرعاية الطبية، إذا كانوا جرحى أو مرضى، ولو كانوا تابعين لقوات معادية. وإلى ضرورة الالتزام بحماية المعنيين بالمعالجة وأدواتهم وتسهيلاتهم من الهجمات العسكرية. ويعرض قواعد معاملة أسرى الحرب، وحماية السكان المدنيين من مخاطر الحرب،  وحقهم في الحصول على العناية الطبية والحاجات المادية (الطعام والملجأ والملبس) والخدمات. ويمنع قانون جنيف تجويع المدنيين كأسلوب حرب. ويعد قانون جنيف التعذيبَ والاستبعاد والقتل العمد (أي القتل خارج ساحة المعركة، أو القتل غير الضروري) وسواهما من الأفعال غير الإنسانية في جميع الأوقات، سواء أكانت ضد المدنيين أم ضد العدو، إنه  يعدّها جميعا خارجة على القانون.

ففي المادة العاشرة من اتفاقية جنيف الرابعة نقرأ "لا تكون أحكام هذه الاتفاقية عقبة في سبيل الأنشطة الإنسانية التي يمكن أن تقوم بها اللجنة الدولية للصليب الأحمر أو أي هيئة إنسانية أخرى غير متحيزة، بقصد حماية الأشخاص المدنيين وحمايتهم".

  كما نقرأ في المادة الثالثة والعشرين من الاتفاقية  " على كل طرف من الأطراف السامية المتعاقدة أن يكفل حرية مرور جميع رسالات الأدوية والمهمات الطبية ومستلزمات العبادة المرسلة حصراً إلى سكان طرف متعاقد آخر  للمدنيين، حتى لو كان خصماً، وعليه كذلك الترخيص بحرية مرور أي رسالات من الأغذية الضرورية، والملابس، والمقويات المخصصة للأطفال دون الخامسة عشرة من العمر، والنساء الحوامل والنفاس ".

  وتركّز المادة التاسعة والخمسون من هذه الاتفاقية أيضاً على هذا الموضوع. فقد ذكرت "إذا كان كل سكان الأراضي المحتلة أو قسم منهم تنقصهم المؤن الكافية، وجب على دولة الاحتلال أن تسمح بعمليات الإغاثة لمصلحة هؤلاء السكان، وأن توفر لها التسهيلات بقدر ما تسمح لها وسائلها. وتتكون هذه العمليات التي يمكن أن تقوم بها دول أو هيئات إنسانية غير متحيزة - كاللجنة الدولية للصليب الأحمر- على الأخص من رسالات الأغذية والإمدادات الطبية والملابس".

  كما يرد في المادة الرابعة والخمسين من البرتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف، وفي البند الأول منها "يحظر تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب".  ولكننا نجد عكس ذلك تماماً في الحالة السورية، فقد قام النظام السوري بحصار المناطق المدنية، وقطع كل إمدادات الطعام والأدوية الضرورية عنها، كما حصل لدى حصار مخيم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في جنوبي دمشق على مدار سنة كاملة، حيث انعدمت المواد الغذائية والاحتياجات الطبية، مما تسبب في لجوء المدنيين المحاصرين إلى أكل لحم الكلاب والقطط، وارتفاع حالات الوفاة جوعاً في المخيم، حيث وصلت إلى 41 حالة، معظمها من الأطفال.

  وفرض النظام السوري أيضاً حصاراً خانقاً على أحياء حمص القديمة، لمشاركتها في المظاهرات السلمية المناهضة لسياسة النظام، وتم منع الأهالي من الخروج من المدينة، ومورست ضد المدنيين المقيمين في تلك الأحياء أشد أنواع القمع والتعذيب، واعتقل العديد من شبابها.

  وأفادت مراكز التوثيق بوجود 13 حياً محاصراً في حمص، منذ أكثر من 600 يوم، هي: القصور، القرابيص، جورة الشياح، الحميدية، باب الدريب، باب تدمر، باب هود، باب التركمان، باب المسدود، الصفصافة، بستان الديوان، وادي السايح، منطقة السوق .

  ويعيش ضمن هذه الأحياء أربعة آلاف شخص تقريبا، وذلك في ظروف إنسانية مأساوية، حيث تنعدم كافة وسائل الحياة، وذلك بعد أن قطع النظام الكهرباء ومياه الشرب منذ بداية الحصار. ومن بين المحاصرين  300 إلى 400 طفل بحاجة للغذاء العاجل، وأكثر من مائتي حالة إصابة تحتاج لإسعاف سريع، كما يوجد فيها عدد كبير من كبار السن والنساء من مختلف الأعمار. وقد استشهد ما يقارب 140 شخصاً في تلك الأحياء  بسبب الجوع وقلة الأدوية.

5- المواقع الأثرية والمتاحف :

  تتعرّض المواقع الأثرية والمتاحف في مختلف المناطق  السورية منذ اندلاع الحرب للنهب والسرقة على يد المهرّبين وتجار الآثار. كما تتعرّض الكنائس والأديرة التي تعود إلى مئات السنين، للهدم على يد النظام السوري والجماعات الأصولية.

  لم تدمر الحرب القائمة في سوريا الإنسانَ والبيوت المعاصرة فحسب، بل شمل الدمار آثارا قديمة مرت عليها آلاف السنين، أبدعتها شعوب قديمة عديدة، وتمثّل شواهد أصيلة على عمق الحضارة السورية وعراقة جذورها التاريخية.

 لقد أعربت منظمة اليونسكو عن قلقها إزاء التراث الإنساني في سوريا، بسبب الدمار الذي لحق بقسم منه، وظل قسم آخر منه مهدداً بالتدمير. ووضعت اليونسكو ستة مواقع أثرية في سوريا سنة 2013 ضمن المواقع المهددة بالدمار، كسوق حلب القديم الذي وضعته منظمة اليونسكو ضمن مواقع الإرث العالمي، و تصل مساحة السوق إلى 350 هكتاراً، ويحيط به سور يصل طوله إلى خمسة كيلومترات. وقد احترق السوق والمحلات الموجودة فيه سنة 2012. كما تعرضت أجزاء من قلعة حلب للتدمير، ولم يسلم مركز المدينة القديمة في دمشق من التخريب أيضاً.

  أما مدينة تدمر التاريخية فقد نهبت ودمرت أجزاء من آثارها، حيث تعرض الشارع الرئيسي في المدينة، وأقواس النصر، ومعبد الإله بعل للقصف المدفعي. وقصفت قوات النظام قلعة الحصن في ريف حمص، كما دمّرت أجزاء كبيرة من مدرج مدينة بُصرى الروماني الذي يُعدّ واحدًا من أفضل المسارح الرومانية التاريخية الباقية في المشرق. ولا ننسى تعرّض المدن الميتة الموجودة في شمال سوريا كسلسلة مواقع أثرية من العهد البيزنطي للنهب والحرق خلال الحرب.

  إن كل هذا انتهاك صارخ للقانون الدولي الذي ينص في المادة الثالثة والخمسين للبرتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف على ما يلي: يحظر ارتكاب أي من الأعمال العدائية الموجهة ضد الآثار التاريخية أو الأعمال الفنية أو أماكن العبادة التي تشكل التراث الثقافي أو الروحي للشعوب، أو استخدام مثل هذه الأعيان في دعم المجهود الحربي، أو اتخاذها محلاً لهجمات الردع.

6- القصف العشوائي على بيوت المدنيين والمراكز الخدمية:

  تحظر القوانين الدولية القصف العشوائي، لأنه يمكن أن يحدث خسائر في أرواح المدنيين، ويلحق أضراراً بالأعيان المدنية. وتوجب احترام وحماية السكان المدنيين والأعيان المدنية. كما ورد في المواد 48، 51 (البند الرابع والخامس)، المادة 52 (الفقرة الأولى) من البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف الأربع.

  أصدرت منظمة الهيومن رايتس ووتش تقريراً في 11 / 4 / 2013 م اتهمت فيه الطيران السوري بقصف المخابز والمستشفيات وأهداف مدنية أخرى. ودعت المنظمة غير الحكومية إلى وقف هذه الغارات ضد المدنيين، ووصفتها بأنها جرائم ضد الإنسانية. وأكدت أن "الغارات التي أمرت الحكومة بشنها قتلت مدنيين بشكل عشوائي وبدون تمييز، وهي تندرج على ما يبدو في استراتيجية هجمات متعددة ومنهجية ضد المدنيين، ونعتبرها جرائم ضد الإنسانية".

  وأضافت المنظمة – التي تتخذ نيويورك مقراً لها - في تقرير تحت عنوان الموت القادم من السماء "أن الأشخاص الذين يرتكبون بشكل متعمد انتهاكات جدية لقوانين الحرب هم مذنبون بارتكاب جرائم حرب".

   وأكدت المنظمة - نقلا عن شبكة ناشطين - أن "الغارات الجوية قتلت أكثر من 4300 مدني في كل سوريا منذ يوليو/تموز 2012"  تاريخ بدء هجمات الطيران. وتحدثت المنظمة أيضا عن استعمال ذخيرة ذات قدرة تدميرية كبيرة، تدمر أحيانا عدة منازل في هجوم واحد.

6- استخدام أسلحة الدمار الشامل خلال الحرب :

  يحظر البروتوكول الإضافي الأول لاتفاقيات جنيف استخدام أسلحة الدمار الشامل المؤثرة في البيئة وصحة الإنسان وبقاء السكان، كما جاء في مادتها الخامسة والخمسين "تراعى في أثناء القتال حماية البيئة الطبيعية من الأضرار البالغة واسعة الانتشار وطويلة الأمد. وتتضمن هذه الحماية حظر استخدام أساليب أو وسائل القتال التي يقصد بها أو يتوقع منها أن تسبب مثل هذه الأضرار بالبيئة الطبيعية، ومن ثم تضر بصحة أو بقاء السكان".

  لقد كشف تقرير مفتشي الأمم المتحدة في 16 أيلول 2013 م حول استخدام المواد الكيماوية في الغوطة، أنه قد تم استخدام هذه الأسلحة ضد المدنيين على نطاق واسع في سوريا، وذلك ضمن بعض الحقائق التي وردت في التقرير الذي تم رفعه إلى أمين عام الأمم المتحدة بان كيمون.

  وأشار تقرير المحققين إلى استخدام صواريخ يملكها النظام السوري في قصف غوطة دمشق، كما أن قذيفة مدفعية من طراز إم 14 استخدمت في القصف بالكيماوي. وأضاف التقرير أنه قد تم استخدام الكيماوي في معظمية الشام وعين ترما وزملكا، وقد أكدت العينات المأخوذة من البيئة في المناطق المستهدفة استخدام غاز «السارين ». وعرض التقرير صورا للصواريخ التي استخدمت في القصف الكيمياوي على غوطة دمشق. وأكد التقرير أنه تم إجراء 50 مقابلة مع ناجين وعاملين في فرق طبية، كما تم فحص عينات من الدم والبول للمصابين تؤكد التعرض لغاز «السارين» بنسبة كبيرة. ويذكر إن قصف الغوطة بالكيماوي تم في  21 آب 2013، وقتل في تلك الحادثة 1429 شخصاً من المدنيين.

7- انتهاك حقوق الأطفال :

    تؤكد تقارير كثيرة متنوعة المصادر أن معاناة الأطفال السوريين من جراء الحرب كبيرة. ويبرز مدى فداحة وضعهم المأساوي في المهاجر والمخيمات الموزعة على حدود سوريا، في دول الجوار. تؤكد منظمة العفو الدولية ذلك في تقرير أصدرته بتاريخ 31 تشرين الأول 2013 م، وتذكر فيها: "ثمة نقص خطير ومؤلم في العلاج بالمستشفيات والرعاية المتخصصة المتاحة للاجئين السوريين في لبنان، ولقد زاد نقص التمويل الدولي من تفاقم الأوضاع سوءاً". وقالت منسقة الأمم المتحدة لشؤون الإغاثة فاليري آموس  "إنّ الأطفال يمثلون أكثر من نصف اللاجئين المشردين في سوريا".

  جاء في تقرير لمنظمة اليونيسيف نشر العالم الماضي أن نحو ثلاثة ملايين طفل سوري محرومون من التعليم، وهم بحاجة للمساعدة. وهناك أربعة آلاف مدرسة غير صالحة للاستخدام، لأنها تضررت أو تهدمت بفعل الحرب، أو لأنها تستخدم كمراكز اجتماعية.

  تفيد تقارير الأمم المتحدة بأن الصراع في سوريا أسفر عن خسائر بدنية ونفسية فادحة لدى الأطفال اللاجئين، فقد شهدوا رعباً لا يمكن وصفه، دمرت القذائف منازلهم ومجتمعاتهم ومدارسهم، وقُتل أصدقاؤهم وأفراد عائلتهم وفي بعض الأوقات أمام أعينهم.

  وفي مدينة صور في لبنان، تقوم موظفتان معاونتان من موظفي التسجيل بالمفوضي، وهما تاتيانا نصار وتيريز سركيس بدعوة الأطفال لرسم لوحات في أثناء مقابلات التسجيل، فقام أطفال صغار تصل أعمارهم إلى أربعة أو خمسة أعوام برسم صور لصواريخ وبنادق ودماء ومنازل مدمرة.

  لقد تعرض الأطفال من جميع الأعمار، بدءاً من الرضّع ووصولاً إلى المراهقين، للمعاناة البالغة، والصدمة الجسدية والإصابات إثر رصاص القناصة والصواريخ والقذائف وتساقط الحطام. ووفقاً لبيانات المفوضية، خلال الأشهر الستة الأولى من عام 2013، حصل 741 طفلاً من اللاجئين السوريين على علاج بالمستشفى من صدمة جسدية وإصابات أخرى بدنية تعرضوا لها في سوريا أو في لبنان، تشمل الإصابة بحروق أو بجروح طلقات نارية أو كسر بالعظام.

  في مخيم الزعتري للاجئين بالأردن، تم معالجة 1379 طفلاً من إصابات تتعلق بالأسلحة والحرب في فترة 20 تشرين الأول 2012 / تشرين الأول 2013. وفي مقابلات أجريت مع 81 طفلاً لاجئاً في الأردن ولبنان، قال 22 طفلاً بأنفسهم أو على لسان والديهم أنهم استمروا في الشعور ببؤس شديد جرَّاء العنف الذي شهدوه في سوريا. وقد أجرت شيراز مخيمر، وهي واحدة من موظفي إدارة الحالات المجتمعية بالهيئة الطبية الدولية، في إربد بالأردن، لقاءات مع أكثر من 90 طفلاً سورياً لاجئاً على مدار الأشهر التسعة الماضية. وقابلت عددا ً من الأطفال الذين تحدثوا عن رؤيتهم أفراداً من عائلتهم وهم يُقتلون أمام أعينهم، بل اضطروا فيما بعد إلى المشاركة في نقل جثامينهم ودفنها. وعبّروا بأسى شديد عن فظاعة الموقف، وهول التجربة المروعة التي لا يمكن نسيانها.

  وتقوم معاونتا التسجيل بالمفوضية في صور بلبنان، تيريز سركيس وتاتيانا نصار، المختصتان بعلم النفس بتسجيل ما يتراوح بين 7 و12 عائلة يومياً. وقد أكدتا أن لا يكاد يمر يوم من دون أن نلتقي بطفل أو اثنين يعانيان من الشعور بالبؤس الشديد أو الاكتئاب الحاد. وذكرتا أن أهالي الأطفال يؤكدون كثرة حالات اضطرابات النوم لدى الأطفال، واسترجاعهم الذكريات المرعبة، فضلاً عن التبول في أثناء النوم، وحدوث مشكلات في النطق.

   يقول موظفون في المفوضية ومنظمات شريكة لها: إن بعض الأطفال النازحين في الأردن ولبنان باتوا مصابين بنشاط مفرط، أو أصبحوا عدوانيين، فيما أصبح آخرون هادئين وخجلين على غير العادة.

وفي تقييم أجرته الهيئة الطبية الدولية/اليونيسيف في مخيم الزعتري بالأردن، ذكر أن  71 % من أصل 255 مراهقاً رأى أن «الانسحاب» من الحياة اليومية كان أحد آليات التكيف الرئيسية التي اتبعوها.

   تشير شيراز مخيمر- التي تعمل لدى الهيئة الطبية الدولية في إربد بالأردن- إلى أن الشعور بالبؤس عادة ما يُضعف قدرة الأطفال على التفاعل مع الآخرين. وتقول مخيمر: إن ذلك قد يمنع الأطفال عن الرغبة في الذهاب إلى المدرسة، أو المشاركة في الأنشطة الترفيهية، أو حتى مغادرة المنزل في الحالات القصوى.

النظام السوري ينتهك العهود والمواثيق الدولية كافة :

  إن النظام السوري وخلال هذه الجرائم وغيرها قد انتهك كافة العهود والمواثيق الدولية من قصف الأحياء السكنية وتدمير المنازل والممتلكات المدنية الخاصة واستعمال القوة المفرطة وأعمال القتل خارج إطار القانون والقضاء، بما فيها الأسلحة المحرمة دولياً، واعتماد سياسة الاغتيالات رسمياً، وإطلاق النار على المدنيين خلال مواجهة التظاهرات وفي أثناء مرورهم على الحواج، واستمرار سياسة الحصار والعقاب الجماعي، وفرض القيود على حرية الحركة، وتدمير المساجد ومحاصرة المشافي، وقتل الأطفال والنساء والمرضى والإجهاز على الجرحى. ويتوافق ذلك مع طبيعة النظام السوري الشمولي الدكتاتوري العسكري، الذي جعل من حزب البعث قائداً للدولة والمجتمع، وربط كافة مؤسسات الدولة بحزب البعث بما فيها المؤسسة العسكرية التي يفترض أن تكون لحماية حدود الوطن و المواطنين، لا أداة لقتلهم وتهجيرهم، مما جعل هذا النظام يفكر بأن سوريا مزرعة خاصة له ولعائلته. ولذلك حكم سوريا بقبضة حديدية على مدى خمسين عاما، بذريعة حكم قانون الطوارئ والأحكام العرفية.

  من جانب آخر، تفاجأ السوريون بالصمت الدولي وتخاذله مما يجري في سوريا من عمليات تستهدف المدنيين وتنكل بهم، بشكل يخرق العهود والمواثيق الدولية كافة. وهذا ما أعطى النظام ضوءاً أخضر لارتكاب المزيد من المجازر والقتل وهدم المنازل على أصحابها ومحاصرتهم وتجويعهم واعتقالهم وتعذيبهم حتى الموت، وقصف المستشفيات وتصفية الأسرى واستخدام الأسلحة المحرمة دولياً ضد المدنيين، كل ذلك لبقائه في السلطة. وكان لذلك آثار تدميرية على الشعب السوري، حيث شرد حوالي نصف سكان سوريا حسب تقارير الأمم المتحدة التي تقدر عدد المشردين خارج البلاد في الدول المجاورة بحوالي ثلاثة ملايين، وبحوالي ستة ملايين ونصف مشرد داخل البلاد.

الخاتمة :

   هذه بعض جوانب القضية التي طال أمدها، وتضاعف عدد ضحاياها، وتزايد حجم الدمار. وتشابكت خيوط النزاع، ولم يعد الحل واضحاً لدى معظم فئات الشعب السوري. ولكن تبقى هناك آمال وتصورات أساسية، تنتهي كلها بالاستغراب والتفكير في غياب دور الأمم المتحدة الفاعل. لقد ورد في ديباجة ميثاق الأمم المتحدة أن من أهم واجباتها وأسباب نشوئها هو إحلال السلم والأمن الدوليين. ومن هذا المنطلق ومن باب القياس والتطبيق وجب عليها اتخاذ إجراءات سريعة، لممارسة دورها الواجب المطلوب، وذلك من خلال إجراءات، يمكن أن تردع النظام، وتنقذ الشعب والوطن، وأهمها:

- ضمانات الإشراف والرقابة على التنفيذ وفق اتفاقية جنيف الرابعة والبروتوكول الإضافي الأول عن طريق ( اللجنة الدولية للصليب الأحمر واللجنة الدولية لتقصي الحقائق ).

- دور مجلس الأمن في تنفيذ قواعد حماية المدنيين عن طريق (فرض الحظر الجوي أو العقوبات الاقتصادية أو قطع العلاقات الدبلوماسية والتدخل العسكري)، وأيضاً عن طريق دور الأجهزة القضائية الدولية في تنفيذ قواعد حماية المدنيين عن طريق (محكمة الجنايات الدولية).

- إن محاولات النظام السوري التملص من التزاماته الدولية اتجاه المدنيين، أو التهرب من إيقاع الجزاءات الدولية عبر آلية التصويت في مجلس الأمن بالاعتماد والارتكاز على الفيتو الروسي والصيني، يجب مجابهته باللجوء إلى الجمعية العمومية لتشكيل اتحاد من أجل السلام تحت وطأة فظائع الجرائم التي وصلت إلى مرحلة الإبادة. فوفقاً للقرار المؤرخ بتشرين الثاني  1950 م  بشأن " الاتحاد من أجل السلام" القرار377 فإنه إذا عجز مجلس الأمن عن التصرف، نتيجة لتصويت أحد أعضائه الدائمين تصويتاً سلبياً، يجوز للجمعية العامة عندئذ التصرف. ويحدث ذلك في الحالة التي يبدو فيها أن هناك تهديداً للسلام، أو خرقاً للسلام أو عملاً عدوانياً، ويمكن للجمعية العامة أن تنظر في الأمر بهدف رفع توصيات إلى الأعضاء لاتخاذ تدابير جماعية لصون السلم والأمن الدوليين أو استعادتهما...

Rojava News 

Mobile  Application