Rojava News: اذا كانت الثقافة والتراث مرآة الشعوب والأمم، والتي تعد اللغة مادتها وثميتها الاساسية، فمن المؤكد ان الازياء والملابس القومية والشعبية تشكل ركنا أساسيا من أركان تراث وهوية كل شعب وامة، وتعتبر أحدى المفردات والعناصر الأساسية المكونة لهوية الشعوب والامم.
والشعب الكردي بحكم تأريخه المديد وتنوعه الجغرافي وتضاريس بلاده التي تشغل مساحة حيوية في قلب الشرق الأوسط، يمتلك ارثا غنيا من حيث الازياء وتنوعها. ان الكرد أمة الوحدة في التنوع، اي ان هناك عناصر مشتركة جامعة بين أبناء هذه الامة التي تمتلك ارثا غنيّا ومتنوعا بحسب تباين مناطقه الجغرافية واختلاف الاجواء والبيئة بين منطقة واخرى. حالة الوحدة والتنوع تتجلى في مجال الازياء والملابس أيضا. فالوحدة الجامعة من حيث الازياء الكردية هي كونها أزياء متنوعة تغطي بالعادة كامل جسد الانسان (سواء أكان ذكرا أم انثى) من الرأس حتى القدمين، وهي بصورة عامة ازياء فضفاضة يكثر فيها الالوان، حيث يتمتع الكردي (وربما بحكم مؤثرات البيئة الكردستانية) بحسيّة عالية من حيث تعامله مع الالوان. والالوان في عالم النسوة هو اكثر بذخا وثرائا وذلك بحكم رهافة الحس الانثوي الذي لابد وان يستجيب لطيف واسع من ألوان البيئة الكردستانية التي تبلغ أوجها في فصل الربيع، حيث تتحول البلاد الى بساط أخضر يمتد على طول وعرض كردستان ويزدان بأنواع واشكال لا تحصى من النباتاتوالزهور البريّة.
هذا التنوع البيئي انعكس ضمن سياق تصاميم وألوان الازياء الكردية التي جاءت لتلبي حاجات العيش وسط بيئة جبلية تكثر فيها الغابات والينابيع والانهار، ومع ان الكتابات التي تتناول عالم الازياء الكردية موزعة في بطون عشرات المصادر التي ألفها المستشرقون أو الرحالة والمؤرخون الشرقيون وأخيرا العديد من الكتاب الكرد، الا ان الباحث يستطيع التوصل الى حصيلة جيدة عن عالم الازياء الكردية بالاعتماد على هذه المصادر التي توضح تأثيرات بالغة وحضور كبير لعالم الازياء والملابس الكردية في بلدان وشعوب الجوار الكردستاني. وقد استطاعت باحثة من شرقي كردستان تعداد (45) نوعا من الازياء النسوية والرجالية الكردية من مختلف مناطق كردستان وبضمنها نوعين من أزياء الميديين أحد أسلاف الكرد.
نحن هنا نتحدث عن كرماشان كأكبر مدينة في شرقي كردستان ومركز احدى محافظاتها، تتمتع بتنوعها الثقافي وخصوصيتها الحضارية والتراثية، فسكان منطقة كرماشان يتكلمون بلهجات كردية مهمة (الكلهرية، الفيلية، الكرمانجية الوسطى، الهورامية، اللكية)، ويدين سكانها باديان ومذاهب عدة، منهم المسلمون (سنة وشيعة) واليارسانيون (اليارسانية هي احدى الديانات الكردية القديمة). وقد منح هذا التنوع الأثني ضمن الهوية الكردية/ الكردستانية الجامعة ثراء كبيرا لهده المنطقة، وأحد ملامح هذا الثراء يتجلى في تنوع الازياء الشعبية الموروثة والتي مازال العديد من سكان المنطقة يرتدونها. وارتداء الازياء يختلف من منطقة الى اخرى وما بين فصل وآخر، وايضا طبقا لطبيعة وطوبوغرافيا مناطق كرماشان المختلفة.
يتركز حديثنا هنا على أزياء نساء كرماشان، وهي من المناطق الكردستانية القليلة التي مازالت تتمسك بارتداء الازياء الشعبية الاصيلة، ويمكن تحديد خصوصية الازياء النسوية في كرماشان بانها بسيطة، ألوانها زاهية وتعج بالحركة والحيوية، انها أزياء فضفاضة كعادة الازياء الكردية عموما، تلائم الفصول الأربعة للسنة، وتتمتع بتنوع وثراء كبيرين.
يمكن تشخيص ثلاث أنواع من الازياء المميزة لدى نساء كرماشان، تعرف هذه الانماط المميزة من الازياء بـ(تن بوش، بابوش، سربوش). وهذا التقسيم يظهر خصوصية لكل نمط من هذه الانماط تبعا للموقع الجغرافي والطقس والتقاليد والاعراف السائدة في مناطق كرماشان المختلفة. وعموما يمكن تقسيم نمط أزياء كرماشان الى عشرة أجزاء تبدأ من غطاء الرأس حتى أخمص القدمين، وهي من التنوع والثراء بحيث يضفي الكثير من الجمال والاناقة على السيدات من سكنة المنطقة. ويمكن القول بأن الازياء التي ترتديها الكثير من نسوة كرماشان خصوصا في المناطق الريفية، كانت شائعة في ريف جميع أنحاء كردستان، الا ان تراجعا كبيرا قد حصل في أغلب مناطق كردستان من حيث ارتداء الازياء الكردية الشعبية الاصيلة، خصوصا خلال القرن الماضي الذي شهد أوسع قدر من التماس والتشابك الحياتي لسكان كردستان مع الحضارة الحديثة ومعطياتها.
أزياء نسوة كرماشانهي كباقي الازياء النسوية الكردية تمتاز (كما قلنا) بانها فضفاضة وطويلة تمتد من الرأس حتى أسفل القدمين، ويغلب عليها الأقمشة المزركشة وذات النقوش والتشكيلات الهندسية وزخارف الزهور، تصاميمها جذابة وخياطتها غير معقدة وتمتد طويلا بطول قامة المرأة، تكثر فيها الالوان بل يمكننا القول بأنها هارمونيا لونية جذابة، لها ياقة دائرية الشكل وأذرعها بسيطة وطويلة وقد تكون نهاياتها بزيادات امتدادية، وعادة تكون مزودة بازار من أجل شدها عند الضرورة.
الازياء الشعبية في الجزء التابع لمحافظة كرماشان من منطقة هورامان وتدعى هورامان تخت،والتي تقع ضمن الحدود الشمالية الغريبة من المحافظة، وكذلك مناطق جوانرو وسلاس باوجان المتجاورة في غرب وشمال غرب المحافظة، تكون لها أذرع فضفاضة وتنتهى بلاحقة مثلثة يطلق عليها (فقيانة)، وهذا التقليد موجود في مناطق سنة واردلان وموكريان وجنوب كردستان ايضا. ولاحقة (فقيانة) يمكن اعتبارها تقليدا شائعا لدى نسوة كردستان حيث يتم أحيانا لفها فوق زند السيدات. وأحيانا يتم عقد طرفي الفقيانة الأيمن والأيسر مع بعضمها ويتدلى أسفل ظهر السيدات أو يستقر على أكتافهن. ويضفي جمالية خاصة على الزي النسوي الكردي.
ترجمة واعداد: طارق كاريزي.
(*)تم الاستفادة من موضوع للصحفي شريف فلاح نشر يوم 16/10/2016 في موقع (باسنيوز) باللغة الكردية، وقد تم تلخيص الموضوع بالشكل الذي يلبي رغبة القارئ العربي للاطلاع، علاوة على اضافات توضيحية اقتضاها المقال.