عارف قورباني: مصير كوردستان سوريا

عارف قورباني: مصير كوردستان سوريا

مقارنةً بباقي أجزاء كوردستان، لا توجد وحدة جغرافية قوية في كوردستان سوريا التي ألحقت بالدولة السورية بموجب اتفاقية سايكس بيكو، فإقليم كوردستان على سبيل المثال كتلة متجانسة ألحقت بالعراق، والأمر ذاته ينطبق على كوردستان إيران وكوردستان تركيا، إلا أن مناطق الجزء الملحق بسوريا ليست متصلة، حيث توجد مناطق عربية في عمق كوردستان سوريا، بمعنى أنها وحدة ضعيفة من الناحيتين الديموغرافية والجيوبوليتيكية، الأمر الذي يؤثر على موقع ومستقبل الكورد.

 

على مدى القرن المنصرم، مارس الحكام العرب سياسات الإنكار العنصرية ضد الكورد، مما شكل عقبةً أمام تحقيق وحدة التراب والأمة الكوردية، بالإضافة إلى أنها أغلقت الطريق أمام تقدم الثورات والحركات الكوردية في ذلك الجزء أسوةً بباقي الأجزاء.

 

إلا أنه مع انطلاق ما يسمى بـ"الربيع العربي"، ووصول نيران الانتفاضات إلى سوريا، سيطر الكورد بطريقة مفاجئة على مساحة جغرافية واسعة، ومع أنهم لم يتمكنوا من توحيد كافة أجزاء كوردستان سوريا، إلا أنهم نجحوا في تأسيس كانتونات وتسيير أمورها من خلال إعلان إدارةٍ ذاتية.

                                

هجمات تنظيم داعش على المناطق الكوردية، ومن ثم نضال ومقاومة الشبان والفتيات الكورد، حقق شهرة لثورة الكورد في سوريا، كما أن آلية إدارة الكانتونات في كوردستان سوريا، والحضور اللافت للمرأة في الإدارة وفي النضال ضد تنظيم داعش، كل ذلك أسهم في تعريف العالم بالكورد.

 

تركيا مارست العداء ضدهم كثيراً، وشرط مشاركة تركيا في التحالف الدولي كان استبعاد هذه الحركة الكوردية، كما أن المعارضة السورية في واقع الأمر مارست العداء ضدهم في الاجتماعات والمحافل الدولية، حيث منعوهم من حق حضور مؤتمرات جنيف، كما استبعدوهم من الاجتماعات والمباحثات والاتفاقيات.

 

إلا أن مشاركة قوات البيشمركة في معركة كوباني، ومؤازرة شعب وقوى ومؤسسات إقليم كوردستان لكوردستان سوريا، فتح بوابةً واسعةً أمامهم، وأصبح التحالف الدولي ضد تنظيم داعش داعماً لهذه الحركة الكوردية وزودتها بالأسلحة والمعدات العسكرية، ولا زال يدعم المقاتلين جواً من خلال قصف مواقع تنظيم داعش، ولكن ليس بالضرورة أن يحافظ التحالف على مواقفه من الأطراف المختلفة بعد القضاء على داعش.

 

لقد تسبب إقصاء قسم من القوى الكوردية الأخرى، ومنعهم من المشاركة في الإدارة السياسية للكانتونات، بتعرضهم لانتقادات من الخارج، وخلق حالة من الاستياء داخلياً، ولكن هذا ليس الخطر الأكبر على حزب الاتحاد الديمقراطي ومستقبل كوردستان سوريا.

 

وبالتوازي مع ضعف الوحدة الجيوبوليتيكية والديمغرافية في كوردستان سوريا، فإن غياب وحدة الصف أسهم في هبوط معنويات الكورد، ولكن الخطر الأكبر يكمن في الاتفاق الثلاثي بين إيران وروسيا وتركيا حول مستقبل سوريا، وليس مستبعداً أن تكون هذه الاتفاقية ضد حسابات حزب الاتحاد الديمقراطي والمعارضة السورية.

 

روسيا حاولت كثيراً أن تجمع بين كل من تركيا وإيران حول مستقبل سوريا، ومسألة بقاء الأسد في السلطة، وكذلك إرضاء تركيا على حساب حزب الاتحاد الديمقراطي وكانتونات كوردستان سوريا، للتوقف عن دعم المعارضة السورية، وبهذه الطريقة ستتخلى إيران عن الكورد مقابل التخلص من أعداء الأسد.

 

حالياً بدأت تظهر بوادر انتهاء سيناريو داعش، وكذلك ازدياد نفوذ الأسد وقبوله من قبل المراكز الدولية، وعلى الرغم من الخطة الاستباقية بين حزب الاتحاد الديمقراطي والحكومة السورية والتنسيق فيما بينهما، ومع أن حزب الاتحاد الديمقراطي كان جزءاً من القطب الإيراني الروسي، إلا أن هذا لا يعني أن يكون ازدياد قوة الأسد في مصلحة حزب الاتحاد الديمقراطي والكانتونات.

 

من المتوقع أن تتدخل سوريا عسكرياً في المناطق الكوردية، بمعنى أن يتلقى حزب الاتحاد الديمقراطي ضربةً من حلفائه، وفي الوقت ذاته فإن ذلك مطلب وشرط تركي من أجل بقاء الأسد، وحالياً لم يبق سوى المناطق الكوردية التي تستطيع الولايات المتحدة الأمريكية والتحالف الدولي إيجاد موطئ قدم لها هناك، وتعتمد عليها.

 

الولايات المتحدة الأمريكية لن تخلي الساحة بسهولة أمام روسيا وإيران، فما عدا الجغرافيا الكوردية، لا يوجد منفذ آخر لتصبح مجاورةً لحلفائها الاستراتيجيين، أي تركيا، بعبارة أخرى فإن تلك الساحة ضرورية بالنسبة لأمريكا وليس القوى، لأن بقاء تلك القوة بهذه الاستراتيجية سيقابل بالرفض من جانب تركيا، لذلك فإن مستقبل حزب الاتحاد الديمقراطي والكانتونات على المحك.

 

الشيء الذي لا زال مستمراً حالياً هو مرحلة السيناريوهات، ومسألة ابتعاد أمريكا وتركيا غير واردة في استراتيجية هاتين القوتين، وهناك سيناريو يتلخص في قطع يد روسيا وإيران عن المناطق المحاذية للحدود التركية التي ترى ذلك خطراً يهدد أمنها، كما أن دعم التحالف لحزب الاتحاد الديمقراطي ليس بسبب قوة موقعه، بل من أجل إبعاده عن القطب الإيراني، وتحويله إلى القطب التركي، وذلك كدلالات بعد انتهاء الحرب على داعش وانقشاع دخان الأزمة السورية الملتهبة، بمعنى أن انتهاء الحرب على داعش وتنفيذ خطط الاتفاقيات على الأرض، لن يضمن استقرار المنطقة، وخصوصاً المناطق الكوردية في سوريا.

 

قبل أي عدو آخر، هناك احتمال قوي أن يشنّ الأسد هجوماً على حزب الاتحاد الديمقراطي بمباركة تركية، وفي هذه الحالة، ومقابل بقاء الأسد، ستحقق تركيا مطلبها بتشكيل منطقة آمنة على حدودها.

 

تركيا والولايات المتحدة متفقتان على ضرورة حماية أمن تركيا، كما أن واشنطن بحاجة للجغرافية الكوردية من أجل إيجاد موطئ قدم لها، وهو ما يضمن الثقة من جانب تركيا، إلا أن هناك وجهة نظر مختلفة حول هذا الدعم، وهي الجهة التي يمكنها أن تكون حليفاً للولايات المتحدة الأمريكية.

 

الأمر الذي يمكن قراءته حالياً هو أنه على الرغم من أن حزب الاتحاد الديمقراطي نجح في خلق نوع من التحالف مع الولايات المتحدة الأمريكية في الحرب على تنظيم داعش، ولكنه لم يتمكن من الابتعاد عن حزب العمال الكوردستاني وإيران، وحتى الآن تسير هذه الأوضاع بسهولة، ولكن بعد انتهاء الحرب على داعش، سيضحون بحزب الاتحاد الديمقراطي وفق هذه الحسابات.

 

ولمنع حدوث ذلك، ولكي يبقى الكورد على أرضهم، فإن من الضروري أن يتحالف حزب الاتحاد الديمقراطي مع القوى الكوردية الأخرى، وبهذه الطريقة تصبح هناك وحدة وطنية من جهة، ويصبح القطب الإيراني خارجاً من جهة أخرى، وفي هذه الحالة سيكون باستطاعته بناء علاقات على أسس صلبة ومتوازنة مع تركيا أيضاً، وسيكون قادراً على أن يصبح حليفاً على المدى الطويل لأمريكا والتحالف الدولي.

Rojava News 

Mobile  Application