طارق كاريزي: السباحة في الصحراء

طارق كاريزي: السباحة في الصحراء

(مناقشة هادئة لمقال للكاتب عبدالباري عطوان)

نشر الكاتب العربي المعروف عبدالباري عطوان يوم 28/1/2017 مقالا حول الشأن السوري، وحسنا فعل موقع (روزآفا نيوز) عندما أعاد نشره. والمعروف عن الكاتب بانه رجل قومي ويدافع عن مصالح وطموحات الشعوب العربية، وهو من المؤمنين بالفكر القومي العربي بصيغة من صيغه، ولا اشكال أبدا في ذلك بالنسبة لنا، بل هو حق طبيعي لأي انسان من حيث تبني الافكار والرؤى والقضايا ذات البعد الانساني. لكن الشيء الجدير بالتعقيب والمتابعة والرد، هو المغالطات التي يقع فيها الكاتب وقراءته غير الواقعية لواقع الحال والاحداث وصروف الامور والمواقف في مقاله هذا، خصوصا قدر تعلق الامر بنا كشعب كردي وأول شعب جار للشعب العربي في آسيا.

في المقال المشار اليه، يهاجم عبدالباري عطوان مسودة مشروع دستور لسوريا طرحه الروس. ومنذ البداية يشكك الكاتب في نوايا الروس ويقدم قراءته غير الواقعية المدعمة بسلسلة من المغالطات، وهدفه الاساسالذي حاول اخفاءه بين سطور مقاله، هو اعلان معاداته لتطلعات الشعب الكردي في سوريا وفي العراق أيضا ومن دون مسوغ قانوني أو شرعي. وكل الاستنتاجات التي توصل اليها الكاتب مبنية على معلومات خاطئة، نحاول أدناه توضيح البعض منها خدمة للحقيقة ولتبصير القرّاء بحقيقة الاوضاع التي يتحدث عنها الكاتب عبدالباري عطوان، أما عن جهل وعدم دراية بها، أو انه يعرف الحقائق لكنه يحيد عنها لغايات مرسومة ومقررة في ذهنه وعن سبق اصرار.

يتحدث الكاتب عطوان عن دستور بريمر الروسي، في اشارة منه الى الدستور العراقي لعام 2005 معتبرا اياه دستورا شرّعه بريمر. وهذا تشكيك بكامل العملية السياسية في العراق الذي سقطت فيه الدكتاتورية بفعل عوامل داخلية وخارجيةوحلت به ما هو اسوء منه، وهو ايضا قراءة بعثية عمياء لواقع الحال في البلد الذي دخل دوامة العنف والعبث والفساد ولا ذنب للدستور في كل ذلك، بل لو سارت الامور مثلما أقرها الدستور، لكانت الامور أفضل من الآن بما لا يقبل المقارنة. فالدستور كتب من قبل مشرّعين عراقيين وناقشته الاحزاب والقوى الوطنية بجميع أطيافها وشرائحها، وقد جرت عليه الكثير من التعديلات أثناء مفاوضات ماراثونيةأستمرّت لمدة حوالي شهرين من الزمان شارك فيها رؤوساء وقادة الاحزاب والقوى السياسية العراقية من مختلف المكونات العراقية. وطرح الدستور تاليا على الشعب ونال الدعم بنسبة حوالي 85% من أصوات العراقيين.

 وللحقيقة نقول بأن الشيعة والكرد عموما كانوا داعمين للدستور بقوّة الا ان الدعم في المحافظات السنيَة (الانبار، صلاح الدين، نينوى، ديالى) كان فاترا للدستور. فالشارع السني العراقي والنخب السنيَة درجت على بنيان مركزيةالدولة العراقية، فيما كان واقع الحال يشير الى بلد يعيش حالة من السقوط الفعلي والتشرذم والانهيار على مختلف الاصعدة، ناهيك عن كون الكرد كانوا يتمتعون باستقلال شبه تام عن سلطات بغداد، الا انهم قبلوا الرجوع الى الحاضنة العراقية بناء على الفدرالية التي اعلنها برلمان كردستان- العراق عام 1992 أي قبل سقوط نظام صدام بأكثر من عقد، وتم قبولها واقرارها دستوريا.

يقول عبدالباري عطوان "يعيد الروس، بطرحهم مسودة دستور جديدة لسورية، تجربة بول بريمر الحاكم العسكري الأمريكي للعراق، التي بذرت بذور الطائفية في البلد، وقسمته الى أقاليم، في اطار صيغة الفيدرالية، واسست لحكم ذاتي كردي بصلاحيات رئاسية توفر كل أسس وركائز “الاستقلال” والانفصال لاحقا."

بدءا من هذه الفقرة يبدأ الكاتب طرح مغالطاته، فالطائفية لم يبذر بول بريمر بذورها، بل انها تعود لعهد الخلفاء الراشدين حيث خاض الخليفة الرابع علي بن أبي طالب (ر.ع) ثلاثة حروب كان طرفاها من المسلمين والكثير منهم من صحابة الرسول الكريم، وجذور الطائفية والانشطار لدى العرب والمسلمين تعود الى تلك الحقبة المبكرة من تأريخ الاسلام، والا ليس بامكان بريمر وغيره ان يبذر بذور الطائفية خلال سنة واحدة فقط قضاها على عجالة في العراق. ونظام صدام أيضا كان نظاما طائفيا عشائريا مناطقيا واضح الملاحم والسمات، وعاش العراق منذ ظهور الاسلام حتى سقوط صدام سلسلة من الصراعات الطائفية المتتالية بين مدرستي الاسلام آخرها كان الصراع المرير بين العثمانيين ممثلين للسنة والصفويين ممثلين للشيعة. وحالة الصراع الطائفي الحالية هي امتداد طبيعي لارث متراكم من العداء والصراع بين الطائفتين يمتد لقرون عديدة. ومن يقول غير ذلك يغالط نفسه ويغض الطرف عن هذه الحقيقة المرّة.

لا جدل في ان الامريكان يبحثون عن مصالحم القومية، وذلك كأي دولة اخرى. ومهما كانت النتائج التي تمخض عنها الاحتلال الامريكي وفشل مشروع دمقرطة العراقالذي تبناه الامريكان، فان الوزر لا يقع على الجانب الامريكي فقط، بل ان العقلية السياسية الشرق اوسطية مازالت عاجزة عن بلورة صيغة مقبولة من نظام الحكم الذي يرسي العدل والمساواة بين المواطنين ويحقق بناء الدولة المدنية. الارضية الشرقية مازالت غير مؤهلة لاستيعاب الديمقراطية، فالديمقراطية ثقافة تراكمية لا تولد فجأة بل تحتاج لجهود مكثفة متواصلة من قبل مختلف القطاعات الانسانية ولفترات زمنية غير قصيرة.

يشير الكاتب عطوان الى ان "السيدة ماريا زاخاروفا، الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، نفت هذا “الربط” او “المقارنة” في لقائها الصحافي الأسبوعي، وأكدت ان بلادها لا تحاول فرض شروط التسوية، او دستور على السوريين، انما الهدف من هذه الخطوة تحفيز الحوار السياسي في اطار قرار مجلس الامن الدولي رقم 2254."

يشكك عبدالباري عطوان في أقوال ونيّة الناطقة باسم الخارجية الروسية. لنشك نحن أيضا بأقوال الناطقة باسم الخارجية الروسية، طيب أين البديل لحل الازمة السورية؟ وهل باستطاعة الدول العربية ومؤسسة الجامعة العربية أن تقدم وصفة حلّ لهذه الازمة العربية القحّة تماما؟ الشك في بادئ الامور ضروري، لكن من دون طرح البدائل يتحول الشك الى حالة مرضيَة تستوجب المعالجة والمداواة. وهذه هي الاشكالية الكبرى التي يعاني منها قطاع واسع من النخب العربية التي لا تريد رؤية الحقائق كما هي.

ويشير الكاتب عبدالباري الى موقف المعارضة السورية المسلحة ويقول بانها حذرت الكرملين من تكرار الغلطة نفسها (والغلطة هنا بحسب المعارضة المسلحة هو تجربة بول بريمر في العراق)، فالشعب السوري (بحسب موقف المعارضة المسلحة كما ينقلها الكاتب عطوان) هو الوحيد الذي يملك حق كتابة الدستور، واثبتت تجربة العراق بأنه عندما تعد دولة خارجية الدستور فان فرص نجاحة معدومة.

وتعليقا على موقف المعارضة المسلحة نقول، بأن الشعب هو مصدر السلطات والمرجع، طبعا هذا الامر في الانظمة الديمقراطية التي لا وجود لها في العالم العربي وعموم العالم الشرقي باستثناءات نادرة. وقولنا هذا ليس تجن على الواقع، بقدر ما هو توصيف حال لا مجال لنكرانه. عليه فالشعوب الشرقية وبضمنها شعوب العالم العربي مغلوبة على أمرها، مصادر حقوقها، واذا كان للشعب السوري من كلمة مسموعة، لأذعن الفرقاء لصوته وأوقفوا حمام الدم وعمليات الدمار التي تفتك بالارض وما عليها من كائنات ومعالم وجمادات. ومن المفيد الاشارة الى مغالطة واضحة في سياق كلام موقف المعارضة السورية المسلحة، فالشعب لا يكتب الدستور بل ان المشرّعين هم يكتبون الدستور وللشعب حق التصويت عليه، أي قبوله أو رفضه. لم تقدم الانظمة العربية من الخليح الى المحيط نموذجا واحدا حول احترام حق الشعب في اقرار الدستور، بل ان الدساتير في بلدان العالم العربي تكتب وفق مشيئة السلطات ويستفتى الشعب شكليا، ومن دون أن يجد الدستور تاليا أضيق حيَز للتطبيق في ظل سيادة العقلية الدكتاتورية في العالم العربي.

يعتقد الكاتب بان مسودة مشروع الدستور الذي تقدمت به روسيا خطر يهدف "تحويل سورية الى دولة غير عربية ارضاء للاقلية الكردية واقامة حكم ذاتي للاشقاء الاكراد في شمال البلاد على غرار نظيره في العراق، واعتماد اللغة الكردية كلغة رسمية الى جانب شقيقتها العربية وادخال نظام الاقاليم واللامركزية..".

من باب التوضيح نقول، طيب اليس فرض الهوية العروبية (الجمهورية العربية السورية) على سوريا الغاء واقصاء للمكونات السورية الاخرى (الكرد، العلويون، المسيحيون، الدروز،...)، بمجرد ان تطالب بتسمية محايدة وشاملة (الجمهورية السورية) مثلا، يعد من وجهة نظر الكاتب عطوان تحويل سورية الى دولة غير عربية! أليس في هذا القول جزافا ومغالطة؟ من المنطق ان الدولة السورية للسوريين جميعا، واضفاء طابع اثني احادي على البلد هو الغاء لباقي المكونات، صحيح ان سوريا بلد ذو اغلبية عربية، لكن الباقون هم أيضا سوريون ولهم حق الوجود والعيش والاحتفاظ بهوياتهم الاثنية والوطنية اسوة بالعرب السوريين. الكرد لا يطالبون بتحويل سورية الى بلد غير عربي، فلن تجد اي دليل يثبت ذلك، لكن من حق الكرد السوريين أن يعترف بهويتهم القومية (الكردية) والوطنية (السورية) ويرفع عنهم الغبن والاقصاء حد حرمانهم من الهوية السوريّة، في الوقت الذي يشكل الكرد جزءا مهما من النسيج الاجتماعي السوري وهم القومية الثانية في البلد. ثم ما الضيَر في اقرار اللغة الكردية لغة رسميَة في الوطن السوري؟ فاذا كانت السلطات في دمشق والمعارضة في المنافي لا تقبل الكردي السوري وتشكك في هويته، اليس من المنطق ان يبحث الكرد عند بدائل تضمن سلامة هويتهم ومستقبل أجيالهم؟

يعترف عبدالباري عطوان بان "الأقليات الطائفية والعرقية والدينية كانت، وما زالت، تتعرض للظلم والاضطهاد من الأغلبية الحاكمة، في بعض الدول العربية، وهذا طرح ينطوي على الكثير من الصحة، ولكن هذا الاضطهاد يأتي في ظل أنظمة دكتاتورية، ومن المفترض ان ينتهي عندما تترسخ الديمقراطية."

كلام جميل من السيد الكاتب، لكن من يضمن بأن النظام الذي يأتي على أنقاض النظام الدكتاتوري الحالي في سوريا سيكون نظاما ديمقراطيا يضمن حقوق الكرد وباقي المكونات الاثنية السورية؟ فالديمقراطية لا تهبط من السماء، بل انها ثقافة وتجربة تراكمية تولد من رحم الانظمة الديمقراطية الراسخة. الدهليز الشرقي أثبت بأنه عاجز تماما عن بلورة بنيان الديمقراطية، فالقمع هي السمة السائدة على مسرح سياسة بلدان الشرق والعالم العربي. والتشدق بالديمقراطية واحلام تحققها بعد حمام الدم السوري، ما هو الا ذر الرماد في العيون وتغاض عن واقع حال الامور والخلفيات الفكرية والمرجعيات الايديولوجية للقوى الفاعلة في المشهد السوري.

يقول الكاتب عطوان "الدستور الأمريكي، ومعظم الدساتير الغربية، ان لم يكن كلها، لا تنص على حقوق حصرية للاقليات، وعلى المحاصصة العرقية والدينية والمذهبية، انما على المساواة في المواطنة والحقوق والواجبات، وتحتكم الى الإعلان العالمي لحقوق الانسان كمرجعية أساسية في هذا الصدد."

المغالطة الكبرى التي يقع فيها الكاتب هي جملته الاخيرة في الفقرة أعلاه. امريكا ودول العالم الغربي دول مواطنة وحقوق، لا يمكن ان تقارن بالدول الشرقية ودول العالم العربي التي تعيش التخبط ومصادرة الحريات والقمع المبرح ضد السكان. لو كانت هناك ديمقراطية في البلدان العربية، طيب ما الذي دفع بالسيد عبدالباري عطوان ليهاجر بلده ويستقر في الغرب؟ الواقع لا يمكن تداركه برفع الشعارات، بل لابد من مواجهة الحقيقة كما هي. فالدول العربية تفتقد الديمقراطية والحريات محددة ضمن هوامش ايديولوجية او براغماتية سلطوية محددة ومحصورة ضمن أطر لا تقبل التغيّر مهما كانت الاسباب والدواعي. فالكرد والامازيغ والاقباط والدرافوريون والنوبيّون وغيرهم من المكونات الاثنية في بلدان العالم العربي يعانون من سياسات التميَز والاقصاء والحرمان على مختلف المستويات. ولا أمل لنيل حقوقها في ظل أنظمة الحكم والثقافة الاحادية الاقصائية السائدة في بلدان العالم العربي. والجميع، بما فيهم العرب ايضا، يبحثون عن بدائل تتيح لهم تحطيم اغلال العبودية والقهر والحرمان السائدة في البلدان العربية. فالضريبة لا يدفعها كرد العراق وسوريا فقط، بل ان ان جميع مواطني بلدان العالم العربي يدفعون باهضا ثمن تأخر أنظمتهم السياسية وسوءها وفسادها. فالكل يتطلعون لواقع أفضل من الواقع الحالي.

الكرد كامة مستقلة غير عربية (وهي أيضا غير فارسية وغير تركية) من حقها كباقي الامم أن تقرر مصيرها وفقا للعهود والمواثيق الدولية، فهي ليست بأقل شأنا من باقي الامم والشعوب، يحق لها ما يحق لغيرها، وأول حقوقها هو حقها في اختيار شكل العلاقة بينها وبين الشعوب المجاورة لها. فاذا قبل الكرد النظام الفدرالي ضمن سوريا موحدة تتعامل مع كافة السوريين على قدم المساواة، ما الضيَر في ذلك. اليست سويسرا تتكون من مجموعة من الاقاليم وتعترف بأربع لغات رسميَة. هل نظام الاقاليم السويسرية واللغات الرسمية الاربعة أدت الى تفتيت البلد، أم انها زادت من وحدته وتقدمه ورقيّه؟

ان الذي يخشاه عبدالباري عطوان تراجع الاستعمار العربي لأرض كردستان وتحقق السيادة الكردية على جغرافية الكرد. وهذا دليل ضيق أفق ومنتهى التعنصر الذي يجعل من صاحبه يفقد البصيرة على رؤية الامور كما هي.

وشرّ البلية (كما قالت العرب) ما يضحك! يقول الكاتب عطوان بان "روسيا تريد تطبيق نظامها اللامركزي على سورية دون النظر الى الفوارق الكبيرة في المساحة، والخريطتين الديمغرافية والجغرافية، فسورية بلد صغير، بالمقارنة الى الاتحاد الروسي العملاق." طيب وهل سويسرا ايضا بلد عملاق؟ أم انه أقل من مساحة سوريا بأربعة أضعاف. ثم ما علاقة المساحة بالنظام السياسي واللامركزية الادارية؟

مغالطة اخرى يقع فيها عبدالباري عطوان عندما يقول "الملامح الأولية لهذا الدستور (ويقصد هنا مشروع الدستور الذي طرحه الروس) تؤشر الى محاولة لعزل سورية عن محيطها العربي، ومنع أي دور لها في التصدي للاحتلال الإسرائيلي لاراضيها أولا، وفلسطين التاريخية ثانيا، ولا نعتقد ان السلطة السورية، او المعارضة الشريفة يمكن ان تقبل به."

لتوضيح حجم المغالطة الكبيرة التي وقع فيها الكاتب نقول، بان العالم في ظل الثورة المعلوماتية قد تخطى الطروحات الانعزالية وعزلة الدولة الفلانية عن محيطها، ثم سوريا هي امتداد جغرافي وجزء حيوي من جغرافية الشرق الاوسط بما فيه العالم العربي وعالم الشعوب الشرق اوسطية الاخرى. وحديثه عن التصدي للاحتلال الاسرائيلي مضحك تماما، ترى هل استطاعت سوريا تحرير هضبة الجولان القريبة من العاصمة دمشق حتى يتم التحدث عن تحرير فلسطين التأريخية؟ يبدو ان الكاتب يمارس الهذيان في مخيلته التي لا تريد ان تلامس الواقع وتهبط من علياء احلام اليقضة. العرب اليوم باتوا امة مغلولة الايدي، فالجامعة العربية باعتبارها المؤسسة العليا الممثلة لبلدان العالم العربي، ما الذي فعلته لمعالجة الازمات الخطيرة التي عصفت بالكويت ولبنان والعراق ومصر وليبيا وتونس واليمن؟

في الوقت الذي عجزت جميع بلدان العالم العربي عن معالجة القضايا الاقليمية والداخلية للبلدان العربية على انفراد، كيف يستطيع بلد كسوريا ونظامه السياسي التصدي لقضيَة قومية بالغة الحساسيَة كقضية الشعب الفلسطيني؟

يبدو ان الكاتب عبدالباري عطوان فقد صوابه تماما ونسي حرفته ككاتب وصحفي، فهو من كثرة انجراره وراء خطابه المؤدلج بات يجد نفسه في موقع الآمر والناهي حيث يقول "سورية الجديدة التي يجب ان تنهض من وسط هذا الدمار الذي الحقته بها المؤامرة الخارجية، بهوية عربية إسلامية اكثر تجذرا وصلابة."

نريد أن نقول، طيب من الذي أعلن معاداته للهوية العربية والاسلامية في سوريا؟ من رفع شعارا مضادا للعرب والاسلام في سوريا حتى الآن؟ العرب هم الاغلبية الساحقة للشعب السورية والمسلمون ايضا. لكن العروبة الحقة والاسلام الحقيقي لا يعنيان الغاء واقصاء الآخرين من غير العرب ومن غير المسلمين. ومن ثم المجاميع المسلحة التي رفعت الشعارات الاسلامية باتت تشكل الخطر الاكبر على حاضر سوريا ومستقبله. الركون الى الحلول المدنية وتقبل مبادئ العدل والمساواة وارساء المواطنة ضمن اطر ديمقراطية بدائية، هي الخطوات الاكثر سلامة وواقعية لاعادة العافية الى سوريا وانهاء المحنة السورية.

نحن ايضا مع الكاتب عبدالباري عطوان حين يعود الى رشده ويتحدث وفق منطق سياسي سليم حين يقول "للمرة المليون نؤكد اننا مع المساواة والتعايش ونبذ الطائفية والعنصرية، ونرجوكم اعطونا دستورا مثل الدساتير المحترمة، والمعمول بها في الغرب والشرق، التي توحد ولا تفرق، وتحترم الهوية الجامعة، والكرامة الوطنية."

ومن المفيد الاشارة الى ان الثقافة السياسية في البلدان الديمقراطية هي غير الثقافة السياسية السائدة في بلدان الشرق الاوسط وبضمنها بلدان العالم العربي. في العراق لم يخرق الامريكان حرمة أي معبد أو مزار ديني، بل ان مجاميع مسلحة تدعي الاسلام هي التي قامت بتفجير مئات المعابد الدينية بما فيها المساجد والمزارات الاسلامية. ثقافة التسامح والتعايش السلمي السائدة في الغرب، هي غير ثقافة العنف والاقصاء السائدة في الشرق. في احدى الولايات الامريكية أدى المسلمون صلاة الجمعة في احدى الكنائس واحدى المعابد اليهودية، ورفع نهاية كانون الثاني الماضي في احدى الكنائس المسيحية في مدينة بوستن بولاية (ماساتشوسيت) آذان المسلمين تعبيرا عن اعتراضهم على قرار الرئيس الامريكي ترامب بعدم منح تأشيرات الدخول لمواطني سبعة بلدان اسلامية.

ترى هل هناك وجه للمقارنة بين الديمقراطيات الغربية والاوضاع السياسية والصراعات العبثية التي تعصف ببلدان الشرق الاوسط؟ أم ان الكاتب عبدالباري عطوان يحاول السباحة في الصحراء؟

Rojava News 

Mobile  Application