طارق كاريزي: سوريا تحت الاحتلال

طارق كاريزي: سوريا تحت الاحتلال

بعد جهود سياسية ودبلوماسية متواصلة تم تعزيزها بحشد القوات البرّية على الحدود التركية السورية والتمهيد لبدء ضربات جوية داخل الاراضي السورية بعنوان محاربة الارهاب واقامة منطقة آمنة في الشريط الحدودي الشمالي لسوريا الذي تقطنه أغلبية كردية، استطاعت انقرة الفوز بالغطاء الدولي لتوغل قواتها داخل الاراضي السورية على طول الحدود بين غرب الفرات وعفرين وتحت ستار اسناد قوات المعارضة السورية التي تتلقى الدعم منها وتتماشى مع سياساتها ومن منطلق المصلحة المشتركة التي تجمع الطرفين في مواجهة الاخطبوط الايراني الذي وسع من طرفه المتوغل حتى العمق في الشأن السوري ويعد الحليف الاقليمي الاقوى لنظام بشار الاسد، حيث نجحت الجمهورية الاسلامية لجهة تحشيد القوات والميليشيات المذهبية من ثلاث بلدان شرق اوسطية علاوة على صفوة من الحرس الثوري لخوض الحرب المذهبية (المقدسة) والدفاع عن مناصري المذهب المتمثل بنظام الاسد ومقدساته في الشام، حيث تدفق مقاتلو الميليشيات اللبنانية والافغانية والعراقية عبر الذراع الايراني الى الاراضي السورية دعما للنظام السوري الحالي.

 

هكذا باتت سوريا تعيش ظروف احتلال اقليمي مزدوج مباشر، ولم تعد هناك سيادة سورية بالمعنى المتعارف عليه، بل نحن أمام مشهد لمقاطعات متقاطعة المراجع والولاءات، تلاشت معهاالملامح الوطنية واسس السيادة وسط قعقعة السلاح وانفجار القنابل واطلاق الصواريخ وأزيز الرصاص المتواصل والقصف الجوّيوالحرب المستعرة دون هوادة منذ 2011 وبات البلد يسير يوما بعد آخر نحو المزيد من الدمار والخراب وتتضاعف معها معاناة المواطنين، من دون أن نجد للحل أفقا في المنظور القريب.

                                   

المشهد السوري مازال يعيش الاضطراب والفوضىالمدمرة على كثبان من الرمال المتحركة، عوامل عدة داخلية واقليمية ودولية تتفاعل باستمرار وفق تجاذب المصالح والستراتيجيات مزعزعة امن البلد وحياة الغالبية العظمى من الشعب السوري. تركيا التي دفعت بقواتها دعما للجيش الحرّ، هذا الدعم لم يكن بمعزل عن التوافقات الدولية بل هو جزء من اللعبة التي تحاول التوفيق بين الاجندات المتقاطعة، وشكّل هذا التدخل الغطاء العسكري الداعم للجيش الحرّ الذي لم يعد بعد الآن حرّا كما كان، بل بات رهنا لاجندة اقليمية من دون مواربة. فخيوط اللعبة السياسية تتداخل بقوة مع خيوط التقلبات الميدانية عسكريا، والجرح بات عميقا يستوجب ربما بتر وتجاوز الكثير من قيم ومفاهيم الوطنية التي سحقت بسبب قساوة الصراع وتداعياتها الرهيبة.

 

مع ان الجميع (النظام ومجاميع المعارضة المسلحة والتنظيمات المتشددة والقوى والاحزاب السياسية) ليسوا خارج خيوط لعبة المصالح والاجندات التي هي اعقد من بيت العنكبوت في الحالة السورية، الا ان الملامة ايضا تقع على عاتق الجميع لعجزهم التوصل الى صيغة حل مقبولة تضع حدا للعنف الذي تجاوز في افراطه كل الحدود وحول البلد الى دمار وخرائب. التدخل الايراني في سوريا معلن وهو جزء من ستراتيجيات السياسة الخارجية الايرانية وهو أيضا امتداد للعلاقات الستراتيجية بين طهران ودمشق منذ الحرب العراقية الايرانية (1980- 1988) حيث ساند نظام البعث السوري نظام الجمهورية الاسلامية الايرانية في حربها ضد نظام البعث العراقي. وتعمق افق هذا التعاون وبات أكثر تأثيرا بعد تسيَد الاحزاب الدينية الشيعية بمقدرات العراق بعد عام 2003، وبات الحديث عن الهلال الشيعي واردا في سياق الاحداث والستراتيجيات. والتواجد الايراني بات يشكل جزءا من حيثيات النظام السوري وهو ايضا بالنسبة له مسألة وجود أو لا وجود.

 

وبعد تزايد ثقل التدخل التركي في المشهد السوري تماشيا مع نظرية العمق الستراتيجي لداود اوغلو وتزايد تطلع الاردوغانية نحو الميراث العثماني وفشل الحصول على بطاقة النادي الاوربي بعد عقود من الانتظار، شهدنا حالة نادرة من اعادة صفحات الصراع التأريخي بين (الروم والعجم)، بحسب السرديات الكردية،وذلك من قبل الجوار الكردستاني وداخل الجغرافية الكردية وامتدادها نحو العالم العربي. فالصراع المديد بين امبراطوريات غرب اسيا والروم واليونان قبل الميلاد ومن ثم الصراع بين المسلمين والاوربيين بقيادة بيزنطة وروما، ومن ثم الصراع داخل البيت الاسلامي بين العثمانيين والصفويين، كلها صفحات من الصراع المتواصل من اجل بسط النفوذ والسيطرة على الجغرافية واستغلال الموارد.

 

ومن سخريات القدر ان الاخيرين (العثمانيون والصفويون) هما من الارومة التركية، لكنهما خاضا صراعا مذهبيا استمر لأكثر من ثلاثة قرون، حيث فرض الصفويون التشيّع على الغالبية العظمى من رعايا امبراطوريتهم فيما اعلن العثمانيون انفسهم سلاطين وخلفاء للمسلمين (وفق الرؤية السنيّة بالطبع). هذا الصراع المرير الذي لم يكن يوما من الايام بمنأى عن موطن الكرد وجغرافية بلدهم، بل كانت كردستان دوما ساحة حامية للصراع والصدامات بين القوى المتعاظمة في شرقها وغربها، وكان الكرد في كثير من الاحيان جزءا من وقود هذه الحروب المتواصلة والصراعات السرمدية المريرة من دون ان يتنازلوا عن استقلالهم تماما.

سوريا الحالية أرض مستباحة ومستعمرة اقليمية ودولية تنتظر الخروج من محنة عجزت القوى الفاعلة عن معالجتها. بغض النظر عن مساوئ و(منافع) الاحتلال ايا كان مصدره، يجب الاعتراف بأن العجز الداخلي هو الذي مهد الطريق أمام قدوم المحتلين الاقليميين والدوليين. وطالما بقي السوريون (النظام والمعارضة) عاجزين عن التوصل الى صيغة للحوار الذي يفضي الى حل يحفظ ماء الوجه، وينقذ البلد من محنته القاتلة هذه، فان باب التدخل أمام المحتلين سيبقى مفتوحا على مصراعيه.

 

 والحقيقة المرّة هنا هي ان كل محتل يطأ الارض السورية هدفه ابعد ما يكون من المصلحة السورية. فهل يمكن لاطراف الصراع السوري تلمس حكمة التوصل الى مرفأ السلام الذي يمكن أن ينقذ ما تبقى من البلد من الدمار وينهي قساوة معاناة الشعب السوري؟

 

الاجابة على هذا السؤال ربما يتعذر التكهن به وفق المعطيات الحالية.

Rojava News 

Mobile  Application