طارق كاريزي: خرائط النار.. حدود القوّة والنفوذ

طارق كاريزي: خرائط النار.. حدود القوّة والنفوذ

ابدى المسؤولون الاتراك سخطهم الشديد عندما لوّح جنود امريكيون بأعلام ذات رموز كردية في كردستان سوريا (روجآفا). ربما كانت البادرة الامريكية لجس النبض التركي حيال التعاون والتواصل الامريكي الكردي في غربي كردستان، وبالذات واقع العلاقات الامريكية مع كرد سوريا، فكلما توضحت ملامح الخارطة الكردية واعلنت عن جغرافيتها نحو الغرب باتجاه البحر المتوسط، ازداد معه القلق التركي ليبلغ أوجه عندما تكون البادرة الكردية ذات صبغة (عمال كردستانية).

 

الحقيقة التي باتت ترسي اسسها في جنوبي كردستان، والتي تقول بان خنادق البيشمركة ودماء شهدائهم ترسم حدود خارطة جنوبي كردستان، تكررت وان بشكل آخر في غربي كردستان. فالخرائط كثيرا ما ترسمها خطوط النار بين الاطراف المتصارعة. ويبدو كبير اللاعبين الدوليين (الولايات المتحدة) يمتلك مهارة فائقة في ضبط ايقاعات الحرب والسلام بين حلفائها وخصومها من الفرقاء المحليين في الشرق الاوسط. أوراق اللعبة السياسية وامتدادتها شديدة السخونة في خنادق المواجهات المسلحة هي في منتهى الخطورة والحساسية.  ولعل ضبط ايقاعات اللعبة العسكرية غرب الفرات بين قطبي رحى منبج والباب، والتي دفعت بالحساسية التركية ازاء الملف الكردي السوري الى منتهى سلم التوتر، فكان لابد لسيد اللعب في الساحة الدولية ان يبادر لضبط ايقاع الصدامات المحتملة بين الكرد والترك في شمالي سوريا، وذلك من دون التفريط بأي من الحليفين التركي والكردي، فهما عاملان مهمان جدا فيما يتعلق بالحرب الضروس ضد الارهاب. لذلك فسح المجال لكل من الطرفين لبديد المخاوف والهواجس من خلال مناورات ومنجزات عسكرية ميدانية وتلقي رسائل سياسية.

 

بناء قواعد عسكرية امريكية متواضعة ضمن مناطق السيادة الكردية السورية، كانت المؤشر الواضح لجدية الحضور الامريكي الذي ربما يأتي على خلفية اتفاقيات غير معلنة مع قوى محلية واقليمية ودولية، والغطاء الشرعي لهذه الاتفاقيات هو وضع حد لمزيد من التدهور في الحالة السورية التي مازالت تراوح في نفق مظلم لا أحد يعرف أين تذهب مساراته المعتمة، وبمجاراة ذلك وبشكل أكثر الحاحا، محاربة الارهاب المستشري سوريا وحصره. وشهدنا خلال الايام الاخيرة تجول المصفحات الامريكية في مناطق من كردستان سوريا، لتكون بمثابة تحول ايجابي جديد يعطي المزيد من الطمأنينة بين جانبي الحدود السورية التركية الفاصلة بين شطري كردستان (الشمالي والغربي)، والمعروفة لدى الكرد بمنطقتي (سرخت وبنخت) أي أعلى الحدود وأسفل الحدود.

 

مازال المشهد السوري ببعديه الوطني السوري والكردستاني السوري يركن للمعطيات الميدانية للجهد العسكري، فحدود السلطات ومديات النفوذ ترسمها خطوط النار، منطق القوّة هو عامل الفصل والحسم في الظرف الحالي، لكن الامور قابلة للتغيرات الدراماتيكية في كل لحظة من مقبل الايام. المنجزات العسكرية يمكن تتراجع خلال مدد زمنية قصيرة، ويمكن أن يتحول أكبر انتصار عسكري خلال أيام الى اندحار مشين. طبعا هذا في حال تقاطع منطق القوّة مع قوّة المنطق السياسي، أو في حالة المقامرة واللعب بنار خطط ومصالح القوى العظمى.

 

السياسة ومجريات الامور المصيرية لا يمكن التكهن بها عبر التنجيم وقراءة فناجين القهوة، بل ان خططا توضع وخرائط ترسم خلف الابواب المغلقة خلال جلسات يشارك فيها اللاعبون والحلفاء بالشكل الذي يحقق المصلحة العامة والاستقرار وأهداف اخرى يحدد اولوياتها المجتمعون ويتفقون على مفرداتها، ومن ثم تتخذ الاجراءات الكفيلة بتحقيق هذه الخطط وتثبيت الخرائط المرسومة.

 

التدخل البرّي الامريكي في كردستان سوريا يعني ان هناك ضمانات فعلية ميدانية لحماية الكرد في سوريا ونيات جادة لمنع تكرار حالات الحرمان والاضطهاد التي مورست ضدهم. وهي أيضا تعني التمهيد لمعالجة الازمة الداخلية التي تعصف بالبيت الكردي. طرف يمتلك السلطة والارض، وطرف مهمش، والشارع منقسم بينهما. فالتدخل البري الامريكي يعني توفير أرضية التعايش السلمي وضمان الشراكة السياسية وتامين الحضور الفاعل لاتباع الطرفين بالشكل الذي يحقق الامن والسلم الاهلي في كردستان سوريا، بعد أن تعرض لهزات عنيفة بسبب الضغوطات المفرطة التي تمارسها سلطات الادارة الذاتية ضد المعارضين لها ولسياساتها.

 

انا اعتقد بأن طرفي المعادلة الكردية السورية يفهمان تماما أبعاد الرسالة الامريكية، وهما على استعداد لابداء التسهيلات الضامنة لتحقيق الشراكة السياسية في ادارة روجآفا. وبعكس ذلك فان معاداة الارادة الدولية يعني خسران الساحة.

Rojava News 

Mobile  Application