الثابت ان لكل ظاهرة علتها وان لكل نتيجة ومحصلة مقدمات تواترت وتراكمت فافضت اليها، وان القضاء المبرم على النتائج هي نقطة البداية لمراجعة البذور الاولى بغية القضاء النهائي على الظاهرة.
هذا هو المنطلق لتجفيف منابع ظاهرة الارهاب ومنها نسخة داعش والنسخ العديدة المتناثرة والمتماثلة في منطقتنا, فالسؤال هو ماذا بعد القضاء العسكري على فلول الارهابيين وطردهم خارج البلد وهو سؤال حيوي لابد من الوقوف والاجابة عليه اذا كنا طامحين في سلام ووئام واستقرار مجتمعي حقيقي غير زائف.
فمنذ التغيير في 2003 استجدت في الثقافة وفي اللغه: وفيطرائق التفكير العراقية اساليب جديدة لاعهد لنا بها، ومنها تبرير صعود التيارالاسلامي السياسي الى حد مغامرتهِ بالتهديد بخنق الخيارات الفكرية الاخرى داخل المجتمع، وبروز توجه صادم للارتداد نحو الماضي واحياء كل مافي المخطوطات الغابرة التي عفا عنها الزمن من سلوكيات ومصطلحات لغوية لاتنسجم مع واقع العصر، واصبح لرجل الدين قيمومة ليسعلى مجال ومفصل جزئي في حياة الفرد العراقي هو الدين، وانما امتد لمصادرة حريات الفرد وكل المجالات المعرفية الاخرى .
لقدأصبح رجل الدين هو العالم والطبيب والحجة القانونية والقضائية وصاحب الامر والنهي في قضايا الزواج والطلاق والاكل واللبس والخروج والاستمتاع بالموسيقى والغناء والرقص بل وحتى في مجال المطالعة وقراءة الكتب، وهذا مابرز مؤخرا في معرض كربلاء للكتب حيث منعت بعض روايات "احلام مستغانمي" واستبدت بعض الاحزاب الدينية وتعسفت في استعمال حقها وهي في قمة السلطة فلجأت الى وسيلة التحريم والتخويف والتكفير والاقصاء والتشويه بناءا على مزاعم دينية وطائفية تراثية بدوية متعلقة بغابر الزمان .
اما المرآة التي تشكل اكثر من 50% في المجتمع العراقي فجرى تكبيل طاقاتها بشكل لانظير له في التاريخ العراقي وحجبت حقوقها وشاعت ظاهرة المليشيات التي نصبت من نفسها شرطة لما سمي بالامر بالمعروف والنهي عن المنكر والاعتداء في الشوارع علىالفتيات بدعوى الحجاب وعدم السفور والحشمة والتقيد بعادات بالية سبق للمجتمع العراقي ان تخللا عنها منذ عشرينيات القرن الماضي، فاذا هي تبعث من جديد وكأن له التاريخ ساكن لاحراك فيه.والانكى من ذلك ان الجامعات العراقية انضمت الى المد واصدرت تعليمات سطحية عبثية مهينة للعنصر النسوي حيث فرضت الواناً وخيوط وقياسات ونوعية قماش وفق معاييرها الفردية تحت زعم تمثيلها للدين والدين منها براء وليتها عززت الرصانة العلمية والبحث العلمي ومراكمة كفاءة الطالب والطالبة للحاق بمستوى الطلبة في العالم في وقت اعرق جامعة عراقية لايتجاوز ترتيبها الالفين .
ومن جانت اخر تدخلت جهات عديدة محلية واقليمية لصالح تكاثر المنابر الاعلامية من الصحف والمجلات والاذاعات والفضائيات التي تمارس الشحن الطائفي , كل هذا مع عشرات من الظواهر الاخرى ادى الى تخندق طائفي وانقسام مجتمعي يبدو في كل مفاصل الحياة وحتى في شوارع ومناطق بغداد والمدن الاخرى يبرز واضحاً من خلال صور ومقولات رجال الدين المنقسمين شيعهً وسنهً. وفي الجانب الاخر حصل تواطئ لكل فئهً مع المتطرفين منها فهي اذ تبرر عنف واستبداد وجرائم ابناء طائفتها تركز على استهجان واستنكار عنف متطرفي الطائفة الاخرى وهنا لعب الارهاب لعبته الخبيثه واستطاع غسل عقول الكثيرين من الجهلة والاميين والمقلدين والراقصين على الحبال ومااكثرهم في مجتمعنا.
وعودا على بدء نقول ان الامور بخواتيمها وان القضاء العسكري في جبهات القتال على داعش يعني فتح اول صفحة في كتاب التحدي والمواجهة الفكرية والاعلامية.
فمراجعة الذات تعني فيما تعنيهالتغيير الجذري للمناهج وخاصة في الدراسه ما قبل الجامعية.
وبشكل اخص في الدراسة الابتدائية بالتركيز على دراسة الاديان وتاريخها ووظيفتها ومقاصدها على قدم المساوات والانفتاح الكلي على العطاء المعرفي الانساني الثرفي علوم الاجتماع والنفس والقضاء والقانون والفلسفة كونها عطاء انساني عابر للحدود والقارات ولا علاقه له بامة دون امة او بقعه دون اخرى .
ولابد من النظر بشكل غير محايد بل انحيازي انتقائي الى الماضي للتعويل على المحطات المضيئة فيه فقط واستغلال عصارة تعيننا على مواجهة الحاضر واستشراف المستقبل، واللحاق بالحضارة لان استنساخ الماضي بكل حقبه المظلمة من قبل بعض تيارات الاسلام السياسي هو الذي شكل جزءا من الازمة الفكرية في العراق. والى ذلك ولأنه في البدء كانت الكلمة فلا بد من الاجماع العراقي على كلمة سواء فيها يخص مفهوم المواطنه وقدم المساواة امام القانون واصدار قوانين صارمة لحماية الاقليات ومنع اي تشويه لاي دين او طائفه او عقيدة وتبني حملة فكرية عميقة لزرع الوئام والسلام بين الفئات والطبقات وبين الرجل والمراة وبين الاديان والطوائف كلها وصولا الى الدولة المدنية الديمقراطية المنشودة التي تشكل نموذجا للعالم المعاصر.
ختاما نقول لكل الصامتين صمت القبورالذين يسكتون دهرا وينطقون كفرا والمحنطين في الماضي اننا منذ الازل، كما قالت المقولة اليونانية القديمة لانضع قدمنا في النهر مرتين ..
فالحياة في تطور متسارع والقضاء المبرم على الارهاب يعني ان نغير مافي انفسنا وطرق تفكيرنا وسلوكيات حياتنا وهذا هو الاسس الاول لدفن الارهاب الى الابد .