جمال حمي: هل الكورد والأرمن أصدقاء أم أعداء ؟

جمال حمي: هل الكورد والأرمن أصدقاء أم أعداء ؟

10:00:28 AM

الجزء الأول

في عام 1994 سافرتُ من حلب الى لبنان مثل أي سوري آخر يبحث عن فرص عمل أفضل ومستوى معيشي أحسن ، ولإستنشاق نسائم الحرية التي يتمتع بها لبنان على خارطة المنطقة السياسية ، وان كانت ديموقراطية لبنان  تحتاج الى الكثير من الإصلاح ، آلا انها أفضل حالاً من الكثير من دول الشرق الأوسط .

وهناك نزلت في منطقة تسمى "برج حمود " حيث تقطنها غالبية من أصول أرمنية ، وهناك كان أول احتكاك بيني ككوردي وبين الأرمن ، فتعرفت عليهم وأنشأتُ علاقات صداقة مع العديد منهم ، وتعرفت على بعض عاداتهم ، واستمعت اليهم والى ماحكوه لي عن تاريخهم ، وعلى رأسها المجازر التركية البشعة التي لحقت بهم ، وقالوها لي بصراحة " ان أجدادك الكورد شاركوا في هذه المجازر ، وكانت هذه بمثابة صدمة لي ، ومدعاةً لأن أشعر بالخزي والعار وأن أطأطأ رأسي أمامهم ، وأن أتعاطف معهم ، وكنت وقتها شاباً يافعاً لا أعرف ماذا يجري من حولي .

 

 ولم أُكلّف نفسي وقتها عناء البحث عن الحقيقة بنفسي والتأكد من صحة هذه الدعاوى  ، ككثيرٍ من الكورد اليوم ، والذين يرددون كالببغاوات في كل مكان ويتحدثون عن مجازر الأتراك ضد الأرمن وعن مشاركتنا ككورد فيها ، الى درجة أننا ككورد ، أصبحنا محاموا الدفاع عن الشعب الأرمني في وجه تركيا ، لا بل سمعتها من العديد من الكورد أيضاً ، أنه يجب على الشعب الكوردي أن يقدم اعتذاره للأرمن على جرائم أسلافهم الكورد ضد الشعب الأرمني الأعزل ، وأصبحنا من حيث ندري أو لا ندري ، مجرد أبواق للأرمن ونخدم مصالحهم وبلا ثمن .!! لا بل وحتى على حساب مصالحنا أيضاً !!

 

علماً أن أرمينيا تحتل اليوم جزءًا من كوردستان الغالية على قلوبنا ، شأنها كشأن الدول الأخرى التي تحتل كوردستان ، كتركيا وايران وسورية والعراق ، لكنها مغيبة تماماً في الحسابات الكوردية اليوم ، أو على الأقل في حسابات حزب العمال الكوردستاني PKK والذي يقيم مع الأرمن علاقات قوية ويدافع عنها ويتستر عليها وعلى جرائمها بحق شعبنا الكوردي ويتلاعب بذاكرة الكورد  ، ولا سيما مع حزبي الطاشناق والهنشاق الأرمنيان المتطرفان اللذان ارتكبا مجازر يندى لها جبين البشرية بحق شعبنا الكوردي الأعزل مابين 1914 الى 1919 ، اضافةً الى أن الأرمن لا يعترفون بكوردستان باكور ، فنحن الكورد نعتبر الجزء الكوردستاني الأكبر والذي ضمته تركيا اليها ، ب ( كوردستان الشمالية ) بينما يعتبرها الأرمن ( أرمينيا الغربية )؟! ونحن نطلق على منطقة تقع في هذا الجزء الكوردستاني الغالي ( wan ) ونعتبرها منطقة كوردية ،  والأرمن يطلقون عليها اسم ( van ) ويعتبرونها أرض أرمنية !؟

فلماذا ندافع عنهم اذاً ؟؟

 

وهذا ما دفعني للبحث عن حقيقة العلاقات الكوردية الأرمنية ، وهل نحن أصدقاء أم أعداء ، والبحث عن حقيقة مشاركة الكورد في مجازر الأتراك ضد الأرمن ، تلك المجازر التي جعلت من الكثير من الكورد اليوم ، مجرد أبواق يعملون عند النظام الأرمني الذي يحتل جزء كوردستاني عزيز ، وبلا ثمن ؟؟

وأن يعملوا بلا علم وبلا دراية ، خدم وعملاء لدولة معادية تحتل جزء من أرضنا ، شأنها كشأن تركيا وسورية والعراق وايران تماماً ،وهذا ليس بشيئ غريب على الكورد ، فكانوا وما يزالون يعملون ضد مصالحهم ، ويخدمون خصومهم بإخلاص ، وعلى حساب قضاياهم وحقوقهم !!

 

كل سنة وفي الذكرى السنوية لمجازر الأتراك ضد الأرمن ، نجد بأن الكورد يقفون في طليعة الذين يتحدثون عن هذه المجازر منتقدين الأتراك وهم يطالبونهم بتقديم الإعتذار والإعتراف بهذه المجازر ودفع التعويضات للأرمن ، وصوتهم أعلى حتى من أصوات الأرمن !! بالإضافة الى تسليط الإعلام العالمي الضوء على هذه المجازر البشعة ضد الأرمن ، والتي أدينها أنا أيضاً واستنكرها وأستنكر كل الجرائم البشعة التي حصلت في التاريخ البشري كله ، بغض النظر عن الزمان والمكان وضد من كانت ، فالإنسانية عندي غير قابلة للمساومة ولا الى هوى النفس والمزاجية ولا بأي حالٍ من الأحوال ، لكن لماذا لا يُكلف الكورد أنفسهم  على الأقل بمعزل عن هذا الزخم الإعلامي المسيس  ، عناء البحث عن الأسباب التي دفعت الأتراك الى ارتكاب هذه المجازر بحق الأرمن ؟

 

هنالك مئات  الوثائق العثمانية والأمريكية والروسية والألمانية والبريطانية ، والتي تؤكد جميعها  بأن العصابات الأرمنية وعلى رأسها الطاشناق والهنشاق ، قامت بإرتكاب أبشع الجرائم بحق الشعبين الكوردي والتركي من المدنيين العزل ، حيث دمرت آلاف القرى الكوردية والتركية على حدٍّ سواء ، وذبحت المدنيين الكورد والترك من النساء والأطفال بلا رحمة وألقت جثثهم في الآبار وأحرقت الكثير منها ، ودمرت البيوت فوق رؤوس أصحابها  واغتصبت نساء الكورد والترك في شرق وجنوب خارطة تركيا اليوم ، حيث قتلوا ما يزيد عن نصف مليون مدني من الكورد والترك أعزل ، بلا رحمة وبلا شفقة ، وهذا ما دفع الأتراك الى الإنتقام منهم ، وشارك فيها العديد من الكورد انتقاماً لآهاليهم ولشعبهم ، فكانت مجرد ردة فعل قاسية على جرائم بشعة وقاسية أيضاً أُرتكبت بلا رحمة ضد الشعبين الكوردي والتركي ، ولم تكن بدوافع دينية كما يشاع لها ولم تكن حرب ابادة  بشعة شنها المسلمون ضد المسيحيين الأرمن ، كما يروج لها الكثير من الذين يشوهون الحقائق ، بدليل أن الأرمن دمروا حتى المساجد ، لكن الأتراك لم يهدموا كنيسة أرمنية واحدة ومازلت كنائسهم وأديرتهم موجودة وشاهدة على ذلك الى اليوم ، والتقارير الأمريكية والألمانية والروسية وغيرها تؤكد هذا الكلام ، والى اليوم يعيش الأرمن بين المسلمين ولا سيما في سورية ولبنان معززون ومكرمون وعندهم امتيازات أكثر من المسلمين أنفسهم !

 

وحتى لا أطيل عليكم في هذا السرد التاريخي المهم ، سأنشر بعض الوثائق الأمريكية والروسية والألمانية والبريطانية في الجزء الثاني من هذا البحث ، لكن ما أود قوله لشعبنا الكوردي ، لماذا لا تترك الأرمن كي يصفوا حساباتهم مع تركيا بأنفسهم وتكف عن دور البوق والمنافح عن الأرمن وغيرهم ، ولماذا لا تعمل على جمع الوثائق التي تدين أرمينيا وتدين تركيا أيضاً لإرتكابهم مجازر بشعة بحق شعبنا الكوردي ، وتطالب تركيا وأرمينيا بالإعتراف معاً بمجازرهم ضد الشعب الكوردي وتطالبهم بتقديم الإعتذار ودفع التعويضات للشعب الكوردي ، بدل أن تخدم هذا وذاك ، والكل يتربصون بك ولا يعترفون بك ولا بحقوقك المشروعة أساساً  ، أليس هذا أجدى وأنفع لنا جميعاً .

 

يتبع -

Rojava News 

Mobile  Application