إنّ أي حوار لا يكون نافعاً ذو فائدة، إنْ لم يكن هناك رؤيّة للحوار، أو لم تنتج هذه الرؤية كمحصلة للنقاش بين أهل المشكلة أو أصحاب القضيّة، أي بين الكُرد أنفسهم، بمعنى حتى يتقدم الكُرد نحو الحوار يجب أن يحلو الشرط الأولي، أو أنْ ينطلقوا بإرادة واحدة ورؤية نابعة من تطلعات الكُرد.
الرئيس مسعود البرزاني في حواره مع جريدة الحياة اللندنيّة وعند سؤاله عن الكُرد في سوريا قال:، بأنّ موقف المعارضة كما موقف النّظام غير واضح من قضية الكُرد، ما يعني أنّ ثمّة مسافة شاسعة بين الكُرد وطرفي المعادلة السوريّة.
والحقّ أن كلا الطرفيين لا زالا يبخلان في حقوق الكُرد، والطرفان يبدوان متفقين على حل القضيّة الكُرديّة، كما يتمنى الكُرد في أنّ يقتنع الطرفان أيضاً بأنّ زمن سلب حقوق الكُرد أو أي مكوّن آخر ولى إلى غير رجعة، بيد أنّ الطرفين يسعيان إلى اللعب والمساومة مع الكُرد، لأجل اتساع دائرة تحالفاته الداخليّة.
النظام حاول حل القصيّة الكُردية عن طريق حل مشكلة إعادة الهويّات للكُرد السوريين التي حرموا منها في بداية الستينيات من القرن المنصرم، وبعد أنْ تبيّن للنظام بأنّ هذا الحل لم يعد يرضي الكُرد، حاول إرضاء الكُرد في دستوره الجديد، أي من خلال اعتبار الاهتمام بثقافة الأقليّات من قبل الدّولة وإرهاب الدولة وترجم ذلك من خلال فتح معهد لتعليم اللغة الكُرديّة في جامعة دمشق، وتوسيع صلاحيّات المجالس المحليّة، بمعنى إعطاء صلاحيّات أكثر للمجالس على حساب المركز.
بموازاة ذلك حاولت المعارضة إرضاء الكُرد من خلال وثيقة العهد الخاص بالكُرد، وهي الوثيقة التي تعترف بالغبن، الذي لحق بالكُرد عبر تاريخهم السياسي وأيضا تعويض الكُرد والاهتمام بالكُرد وتأهيلهم، مع إعطاء الكُرد حقوقهم السياسية في الشراكة مع السلطة وأيضاً ذكر الكُرد في الدستور.
بيد أنّ العبرة ليست في الفهم النظري لحقوق الكُرد بقدر من التعامل الجدي مع الكُرد وقضاياهم، صحيح أنّ النّظام روّجوا بأنّ الكُرد جزءٌ أساسيٌّ من النسيج الوطني، إلّا أنّه سرعان ما تملّص عند التعاطي الجدي مع الملف الكُردي، حيث اعتبر بشّار الأسد (مثله مثل كل العرب الجزيرة) أنّ الكُرد لا يشكلون الأغلبيّة في مناطقهم، وأنّ الكُرد الذين يرون بأنّهم أكثر تواجداً في الجزيرة لا يبلغون الـ 35 بالمئة من سكان الجزيرة ونسي طبعا عفرين كُوباني؛ أمّا المعارضة وإن كانت قد شكّلت وثيقة العهد أكثر تطوّراً وتفهماً لقضايا الكُرد، بيد أنّ الوثيقة بقيت حبراً على ورق، فلم تتحوّل تلك الوثيقة إلى الهمّ الأساسي لدى المعارضة، ولا نستغرب أنّ الكثيرين من المعارضة، حتى أنّهم نسيوا بأنّ ثمّة وثيقة موقّعة من قبلها تعترف فيها بحقوق الكُرد..ما يشي بأنّ ملف القضيّة الكُرديّة لدى المعارضة والنظام ليس من أولويّات القضايا التي يمكن النقاش حولها والانتقال بالعلاقة من كونه أخذ ورد حول الاعتراف إلى كيفيّة البحث عن الشراكة السياسيّة، والسؤال هنا، هل يمكن الحوار مع النظام إذاً؟ في الحقيقة إنّ أي حوار لا يكون نافعاً ذو فائدة، إنْ لم يكن هناك رؤيّة للحوار، أو لم تنتج هذه الرؤية كمحصلة للنقاش بين أهل المشكلة أو أصحاب القضيّة، أي بين الكُرد أنفسهم، بمعنى حتى يتقدم الكُرد نحو الحوار يجب أن يحلو الشرط الأولي، أو أنْ ينطلقوا بإرادة واحدة ورؤية نابعة من تطلعات الكُرد، وكون الكُرد هم جزء من المعارضة، فإنّ هناك التزام أخلاقي تجاه المعارضة، فمن المنطلق الأخلاقي، على الكُرد أنء لا ينعزلوا سياسيّاً ويدخلوا في إطار صفقة مع النظام، خاصّةً، أنّ الكُرد لم يتحاورا مع النظام من قبل، فالحوار في زمن الثورة يختلف عن الحوار مع النظام في غير زمن الثورة!
بقي أنْ نقول: أنّ مسألة الحوار مع النظام وإنْ كان حول مصير البلاد والعباد هو من استحقاق المرحلة بعد الخراب والدمار الذي حصل، إلّا أنّه سيبقى من غير معنى ولا يجلب رأس الزير سالم في ظل هذه الأوضاع!.