بعد أداء مهمة فريدة ومقدسة استمرت لمدة شهور عدة، عادت قوات البيشمركة نهاية نيسان الماضي من كوباني إلى جنوب كوردستان. هذه المهمة الفريدة جاءت متوافقة مع الضمير الجمعي للكورد، باعتبار كوردستان (كأرض وسكان) يتمتع بوحدة التأريخ والجغرافية والأثنية والتراث والمصير والثقافة.
هذه الوحدة تعاني الشتات بسبب اختراق السيادة الكوردية/الكوردستانية من قبل سلطات شعوب الجوار. والحدود التي تخترق كبد الجغرافية الكوردية،لا وجود لها في المخيلة الكوردية ولا يتحسسها الكوردي إلا عندما يعترضه الدرك الذي يحرس الحدود المرسومة دون إرادة الكوردي وبالضد من الواقع الاثني للسكان.
التواصل الجيوديمغرافي الكوردي قوي ومتين، لم تستطع حالات فرض هوية الغير أن تنسيه أو تمحو هويته (القومية والوطنية) الأصلية/ الطبيعية.والكوردي يشعر بالمرارة حين يصف بهوية غير هويته الحقيقية (الكوردستانية)، وهجرته تكون بجواز غير كوردستاني، ليصنف في المهاجر وبلدان اللجوء تارة كتركي، وتارة كإيراني، وأخرى كعراقي أو سوري.
ويبقى الانتماء الحقيقي للكوردي كوردستانيا. هذا الانتماء يصطدم بجدار الجغرافية السياسية التي شتت وغيّبت الوطن الكوردي، جاعلة إياه غنيمة لشعوب الجوار الكوردستاني. هل يمكن لهذه الشعوب أن ترضي بالعكس، أي يرضى العربي أو التركي أو الفارسي بأن يحمل جوازا كورديا/كوردستانيا؟ الإجابة هي بحكم البديهة. وقبول الكوردي بحالة مصادرة هويته، قبول على مضض. مع هذا يبقى الانتماء الأصيل متأصلا في ذاته وقرارة نفسه، والوقائع تشهد بقوة على ذلك. فالثقافة الجمعية للكورد هي من القوة بحيث تخلق الإجماع الشعبي حيثما سنحت الفرصة أو اقتضى الحال.
ولدينا الكثير من الشواهد والقرائن، آخرها كان قضية كوباني التي لبى الكورد حيثما كانوا نداء استغاثة إنقاذها من أنياب وحش داعش. فكورد الأجزاء الأربعة وكورد المهاجر نزلوا بقوة إلى الشوارع، وأخذ الشارع الكوردي يغلي، والكل في حالة من الاستنفار القصوى لإنقاذ العزيزة كوباني. الخطوة الأكثر تأثيرا جاءت من جنوب كوردستان، تنسيق مع طيران التحالف الدولي لتكثيف الضربات على فلول وجحافل داعش في كوباني، وتسيير قوافل إسناد من قوات البيشمركة لمباشرة الجهد العسكري ميدانيا. وبعد تحقيق النصر المبين وأداء الواجب المقدس، عادت قوات البيشمركة من كوباني إلى ثكناتها في جنوب كوردستان، محققة رضا الضمير الجمعي للكورد.