حين انتصرت انتفاضة الجيش العراقي بقيادة حركة الضباط الأحرار وعلى رأسها الزعيم الركن عبد الكريم قاسم في 14 تموز 1958، عمد الشعب المنتفض مع الجيش إلى احتضانها وتحويلها ثورة شعبية بأمل وهدف أن يحقق بها مهمات الثورة الوطنية الديمقراطية التي ناضل من أجلها الشعب العراقي طوال المدة التي بدأت بانتفاضتي 1918 بالنجف و1919 بالسليمانية وثورة العشرين 1920 التي شملت العراق كله وما بعدها من انتفاضات ووثبات راح ضحيتها الكثير من أبناء وبنات العراق، وكمن في بالسجون المئات من المناضلين وأعدم العشرات منهم.
وعلى أثر ذلك صدر الدستور العراقي المؤقت عن مجلس السيادة والحكومة الذي تضمن لأول مرة المادة الثالثة التي نصت على ما يأتي:
"المادة (3): يقوم الكيان العراقي على أساس من التعاون بين المواطنين كافة باحترام حقوقهم وصيانة حرياتهم ويعتبر العرب والكورد شركاء في هذا الوطن ويقر الدستور حقوقهم القومية ضمن الوحدة العراقية." (راجع: القاضي وائل عبد اللطيف الفضل، دساتير الدولة العراقية لمدة 1925-2004، جمع وترتيب وتعليق، بغداد 2005، ص 59). وقد استبشر الشعب خيراً من اتجاه تطور الأحداث وعودة الملا مصطفى البارزاني، بوصفه قائداً للشعب الكوردي، إلى العراق من منفاه في الاتحاد السوفيتي. وبدت وكأن الأمور تسير بالاتجاه الصحيح. إلا إن عدة عوامل أساسية أعاقت تطور الأحداث بالاتجاه السليم حينذاك. فإلى جانب التآمر الخارجي المتفاقم الذي شاركت فيه دول حلف السنتو (حلف بغداد) فضلاً عن شركات النفط الاحتكارية وتأثيره المباشر على تطور الأحداث، يمكن وضع اليد على العوامل الداخلية الأساسية في الآتي:
1- تخلف قيادة الثورة عن البدء بترتيب الحياة الدستورية والسياسية الديمقراطية بالبلاد من خلال وضع الدستور الدائم وإجراء الانتخابات العامة والبدء بوضع القوانين الديمقراطية وتسليم السلطة إلى المدنيين بدلاً من بقاء السلطة بيد القوات المسلحة وحرية تشكيل الأحزاب السياسية وتأمين وجهة تطور ديمقراطية بالبلاد.
2- ومنذ الأيام الأولى لانتصار الثورة بدأ الصراع بين التيارات السياسية العراقية من خلال الدور التخريبي الذي مارسته القوى القومية والبعثية العراقية والعربية التي نادت مباشرة بوحدة العراق مع سوريا ومصر، وجاء رد فعل المواطنين والمواطنات، وفي مقدمتهم مؤيدو عبد الكريم قاسم والحزب الشيوعي العراقي والقوى الكوردستانية، بالدعوة إلى دولة فيدرالية وليس وحدة كاملة كما دعت لها القوى القومية والبعثية بأمل وضع العراق تحت الوصاية المصرية والقوى القومية العربية اليمينية.
3- وما زاد في الطين بلة في تحرك القوى المناهضة للوجهة الديمقراطية صدور التشريع الديمقراطي المهم الخاص بالأحوال الشخصية ثبت فيها الكثير من الحقوق للمرأة العراقية وضد تعدد الزوجات الذي أثار القوى الإسلامية السياسية.
4- وعمق المشكلة فيما بعد الموقف الذي اتخذه قاسم من الكويت ودعوته لتكون جزءاً من العراق التي أثارت بريطانيا وشركات النفط الاحتكارية وشعب الكويت. وكانت هذه الدعوة بمثابة هروب إلى الأمام من تعقيد الأوضاع في الداخل وبأمل لملمة الصفوف، وأدت إلى عكس ما كان يسعى إليه. 5. وبصدد القوى الكوردستانية فأن الدستور المؤقت قد تضمن المادة الثانية: المادة (2): العراق جزء من الأمة العربية. (المرجع السابق). ولم يثر هذا النص الشعب الكوردي ابتداءً، إلا إن الصراخ المستمر بالوحدة العربية من جانب القوميين والبعثيين والتركيز على هذه المسألة أثار الكورد بشكل عام، والقوميين منهم بشكل أخص، لأنه كان يعني أن الشعب الكوردي وكوردستان هما أيضاً جزء من الأمة العربية والوطن العربي. وطالبوا تأكيد إن أية وحدة مع الدول العربية الأخرى يفترض أن يحقق للشعب الكوردي حقوقه القومية المشروعة والعادلة، وكانوا إلى جانب الدولة الفيدرالية. وهنا احتدم الصراع وشن القوميون والبعثيون العرب في كل مكان حملة ظالمة ضد الكورد وضد مسيرة الجمهورية العراقية. ومع التراجع في مسيرة الثورة وتفاقم النشاط التآمري ضد الجمهورية وعجز عبد الكريم قاسم عن مواجهة التدهور في الوضع، تفاقمت العلاقات السلبية بين القيادة العسكرية العراقية وقيادة الشعب الكوردي متمثلة بالحزب الديمقراطي الكوردستاني ورئيسه الملا مصطفى البارزاني. وبدلاً من إعمال العقل لتجاوز احتمال التدهور في العلاقات، أعطى رئيس الحكومة والقائد العام للقوات المسلحة أوامره إلى القوات الجوية بقصف مناطق البارزانيين، ما أدى إلى قتل الكثير من الأبرياء من النساء والأطفال والرجال. وبرغم المظاهرات التي طالبت بشعار "الديمقراطية للعراق والسلم لكوردستان"، لم يستمع قاسم إلى صوت العقل ولم ينتبه إلى تفاقم المشكلات عليه وعلى حكومته وبالتالي العواقب الوخيمة المحتملة.
وكان إصراره على قصف المناطق الكوردية بداية لإعلان ثورة أيلول/سبتمبر 1961 بكوردستان العراق من قبل الحزب الديمقراطي الكوردستاني والزعيم الملا مصطفى البارزاني. وكانت واحدة من أكثر النقاط حسماً في نشوء تحالف واسع محلي وإقليمي ودولي ضد حكومة عبد الكريم قاسم الذي انتهى بانقلاب شباط 1963 الفاشي الدموي الذي أعلن منظموه، البعث والقوى القومية الناصرية الحرب ضد الشعب الكوردي حالما اعتقدوا باستقرار الوضع لهم. وأعدم بحقد قادة ثورة تموز ومن ثم قادة الحزب الشيوعي العراقي وقتل الكثير من الشيوعيين والديمقراطيين وزج الآلاف بالسجون والمعتقلات وتعرضوا لأبشع أنواع التعذيب.
ومع هذا الانقلاب القومي- البعثي المسند من الخارج تشكلت سلسلة من النظم السياسية الاستبدادية والحروب الدموية ضد الشعب الكوردي. ولو كانت الحكمة الضرورية قد توفرت لدى عبد الكريم قاسم ومارس العقلانية في الموقف من الحياة الدستورية والديمقراطية والتخلي عن الفردية في الحكم وعقلن الموقف من القضية الكوردية لكان الشعب العراقي قد تجاوز كل الذي مرّ به منذ العام 1963 حتى الآن. ولكن كل ذلك لم يكن متوافراً حينذاك.
استولت القوى البعثية والقومية على السلطة بعد إطاحتها بحكومة قاسم. ولكنها لم تستفد من التجارب المنصرمة، بل صممت على خوض الحروب ضد الشعب الكوردي وعدتها "نزهةً ربيعية" منطلقة في ذلك من ذهنيتها الشوفينية والعسكرية التي لا تعرف سوى لغة القوة والحرب في معالجة المشكلات الداخلية والرفض الصريح لحقوق الشعب الكوردي القومية وحقوق القوميات الأخرى. قادت تلك السياسات إلى المزيد من نزف الدم، إلى الموت والدمار والخراب، ولكنها انتهت أيضاً بسقوط ذلك النظام الفاشي والذي اعقبه، لإنه مارس عملياً السياسة العدوانية نفسها.
وأخيراً جاء نظام البعث الصدامي إلى الحكم ثانية. ومنذ عام 1968 حتى سقوط النظام تحت ضربات التحالف الأمريكي-البريطاني في العاشر من نيسان عام 2003 عاش الشعب العراقي مأساة مريرة بلغ عمرها 35 عاماً تقريباً وتميزت بكونها أسوأ العهود والنظم التي عرفها العراق الحديث البته. وتحت ظروف خاصة وموازين قوى معينة أجبر نظام البعث على الاعتراف بوجود الشعب الكوردي في كوردستان العراق وأقرَّ ببعض حقوقه على وفق اتفاقية آذار من عام 1970. ولكن قيادة البعث كانت منذ البدء تقدر بأن هذه الاتفاقية ليست سوى مرحلة عابرة وقصيرة يفترض التحضير في أثناء ذلك بما يساعد على كسر شوكة الشعب الكوردي.
فبدأت بنسف المشروع ابتداءً والتآمر على القيادة الكوردية من خلال تنظيم عملية اغتيال فاشلة ضد قائد الحركة الكوردية الملا مصطفى البارزاني، والسعي إلى سلب المضامين الديمقراطية الأساسية لمشروع الحكم الذاتي وجعله مجرد حكم شكلي يخضع للقيادة البعثية، فضلا عن تقريم منطقة الحكم الذاتي من خلال قطع بعض أوصالها عنها. وقادت هذه السياسة إلى تعقيد الأمور وإلى شن حرب دموية ضد الشعب الكوردي وترويع الناس والتسبب في خراب القرى وهجرة السكان. وتسنى لنظام الحكم الاستبدادي، بدعم فعال من جانب حكومة شاه إيران وبموافقة الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل وترحيب الحكومة التركية، ضرب الحركة الكوردية المسلحة في عام 1975. ولكن هذه الحركة عادت لأنها تجسد مطالب مشروعة وعادلة لشعب اغتصبت إرادته وحريته وهمش على مدى عقود وعقود.
بعد ذلك شن النظام حروباً داخلية وأخرى خارجية ليبرهن على قوته ومستجيباً لأطماعه في المنطقة. فكانت المحن والكوارث تتوالى على رأس الشعب العراقي، وحصد الموت مئات ألوف العراقيين. ومع قرب نهاية الحرب العراقية الإيرانية جهز النظام ونفذ حملات ومجازر الأنفال مستخدماً الأسلحة الكيمياوية ضد الشعب الكوردي وضد قواه المسلحة وبقية قوى الأنصار، بمن فيهم العرب والأقليات القومية، في المدة الواقعة بين شباط/آب من عام 1988، نجمت عنها عواقب كارثية أصبحت الآن معروفة للجميع. إذ حصدت الرياح الصفر أرواح عشرات ألآلاف من البشر، كما أصبح مصير عشرات الآلاف الأخرى غير معروف. لقد كانت أبشع مجزرة عنصرية وإبادة جماعية ترتكب بحق الشعب الكوردي في العراق في القرن العشرين، إذ بلغ مجموع من استشهد أو غيب 182 ألف مواطن كوردستاني/ ما يزيد عن 98% منهم من الكورد، كما نفذت إبادة جماعية ضد الكورد الفيلية. نفذت المجزرة الدموية ضد الشعب الكوردي بدناءة وخسة بالغتين. وقد تم كل ذلك باسم العروبة والقومية وحماية الوحدة العراقية والعربية! ولم تنقطع سلسلة الاعتداءات على الشعب الكوردي بل تواصلت في أعقاب انتفاضته وانتفاضة الشعب العراقي كله في ربيع عام 1991 التي اضطر فيها أكثر من مليون إنسان كوردستاني وعشرات ألآلاف من العرب وغيرهم إلى الهروب وترك العراق. وكانت الحصيلة مرعبة. وبرغم كل ذلك بقي النظام حتى سقوطه يعول على استخدام القوة والحرب لمعالجة القضية الكوردية، برغم خروج القسم الأعظم من الأرض الكوردستانية من دائرة حكمه وخضوعها للحماية الأمريكية، إذ أنه لم يترك فرصة إلا واستخدمها لتحقيق أهدافه الشريرة. إن تجارب أكثر من تسعة عقود من عمر الدولة العراقية في عهديها الملكي والجمهوري تؤكد بما لا يقبل الشك مايأتي:
1- إن الموقف من المسألة الكوردية نشأ مع نشوء الدولة العراقية، هذا النشوء غير الديمقراطي والتربية العثمانية الاستبدادية والرؤية القومية والدينية المتعصبة والقاسية والمتسمة بالعنف في آن واحد. وانعكس ذلك في سلوك الحكام وأجزاء من المعارضة العراقية على امتداد المراحل السابقة. وزاد في الطين بلة موقف سلطات الاحتلال البريطانية الاستبدادي والاستعماري الاستغلالي من القضية الكوردية وسعي هذه السلطات إلى تهميش دور الكُورد في المنطقة ومنع إقامة دولتهم الوطنية المستقلة على أرض كوُردستان، والإصرار على تجزئتها. فالموقف الشوفيني، وفيما بعد العنصري، والاستبدادي من قضية الشعب الكوردي حمل معه نهجاً مؤسسيا ثابتاً للدولة العراقية شاركت في صياغته وتنفيذه السلطات التشريعية والتنفيذية والقضائية على امتداد العقود المنصرمة.
2 -وهذا لا يعني أن النظم السياسية التي وجدت في العراق كانت كلها تسير على خط واحد إزاء المسألة الكوردية، إذ ظهر بعض التباين في سلوك النظم المختلفة، ولكن الموقف الجوهري من حقوق الشعب الكوردي ومن حقه في تقرير مصيره كان في الجوهر واحد. ففي الوقت الذي استخدم الجميع العنف لإخضاع الشعب الكوردي تباين هذا العنف في زمن العهد الملكي عنه في عهد البعث الأول وعهد القوميين ومن ثم في عهد البعث الثاني. وكان الاختلاف في شدة وقسوة العنف لا في وجوده وممارسته. ولكن النظم اللاحقة بنت عنفها وسياساتها على ما أرساه العهد الملكي من نهج عدواني في هذا الصدد. تضاف إلى ذلك حالة التهميش والإقصاء التي عانى منها الشعب الكوردي.
3- أن الرؤية الأولى إزاء المسألة الكوردية ليست فقط قاصرة وعاجزة عن تحقيق الأهداف التي ترمي إليها، بل خاطئة وخطرة ومليئة بالاستعلاء القومي والعدوان والرغبة في الهيمنة والاستغلال وتعبر عن شوفينية لا تحترم حتى قوميتها، وأنها لن تقود لاحقاً إلا كما أدت إليه في السابق، أي إلى مزيد من هدر الكرامة والدماء والدموع والخراب والدمار الواسع والخسائر البشرية والمادية، وأنها لا تحصد سوى الريح العاتية لأنها لا تنسجم مع طبيعة الإنسان وحاجاته وحقوقه المشروعة في القرن الحادي والعشرين.
ومن المناسب أن نشير هنا إلى أن مجموعات من القوميين العراقيين قد أدركوا هذه الحقيقة وتبنوا رؤية أخرى أكثر ديمقراطية ووعياً بواقع العراق وحاجات الشعبين العربي والكوردي والقوميات الأخرى. وهي وجهة سليمة ومنصفة وتدل على استعداد ذاتي للتعلم والاستفادة من دروس الماضي لصالح المستقبل. ويمكن أن يشار هنا إلى حركة الاشتراكيين العرب التي يقودها عبد الإله النصراوي ومعه الدكتور قيس جواد العزاوي. وخلال المراحل المنصرمة لم تتوافر فرص مناسبة لرؤية أخرى لممارسة مضامين نهجها الديمقراطي في التعامل مع القضية الكوردية وسبل الحل السلمي واستخدام الآليات الديمقراطية الضرورية لتحقيق الغاية المنشودة. وهو ما يفترض التركيز عليه وتبنيه. وكان الأستاذ الراحل والسياسي القدير عزيز شريف، الذي وضع نفسه في خدمة السلم والديمقراطية في العراق، حيث طرح ولأول مرة ومنذ أربعينيات القرن العشرين الحل العلمي والديمقراطي السليم للمسألة الكوردية مؤكداً حق هذا الشعب في تقرير مصيره بنفسه، بما في ذلك حق الانفصال وإقامة دولته الوطنية المستقلة على أرض كوردستان. كما ناضل بحيوية من أجل هذا الهدف.
وعلى الرغم من التناقضات التي تلف عالمنا والاختلال الشديد في القيم، فأن القيم العامة والشاملة ما تزال وستبقى تدفع بالناس للنضال في سبيلها، وأهمها قيم الحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان، قيم العدالة الاجتماعية والمساواة في الحقوق والواجبات، تلك القيم التي تعترف للشعوب بحقوقها العادلة والمشروعة بما فيها حقها في الانفصال وإقامة دولها الوطنية المستقلة على أرض وطنها. أي أن الاعتراف بالحقوق والواجبات والاحترام المتبادل يعد الطريق الوحيد المناسب للتعامل الدولي بين شعوب تعترف بالحرية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق القوميات وتحترم نفسها. كان وما يزال نضال الشعب الكوردي موجهاً صوب خمس مسائل جوهرية، وهي ليست كثيرة ولا بعيدة عن الواقع، إذ إنها تشكل جزءاً من حقوقه المشروعة، وهي:
* الاعتراف له بحقه الكامل في تقرير مصيره بنفسه على أرض وطنه بكل حرية وفي أجواء الديمقراطية وسيادة الشرعية، بما في ذلك حقه في الانفصال وإقامة دولته الوطنية المستقلة. إن هذا الحق ينبغي أن يعترف به من حيث المبدأ ويصان، ويكون له الحق في ممارسته متى شاء ذلك وفي ظروف يقررها وحده؛
* الاعتراف الواقعي بأن الشعب الكوردي جزء من الأمة الكوردية الموزعة بين أرض كوردستان الممتدة في أراضي دول المنطقة الأربع، إيران وتركيا والعراق وسوريا؛
* الاعتراف له بحقه في المشاركة في إرساء دعائم دولة عراقية جمهورية اتحادية (فيدرالية) تستند إلى دستور ديمقراطي وحياة حرة وتعددية سياسية تحترم حقوق القوميات والأديان والمذاهب والفلسفات والآراء المختلفة وتعترف وتمارس حقوق الإنسان وتقيم علاقات صداقة وتعاون واعتراف بالدول المجاورة وحدودها الدولية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول والشعوب الأخرى وتعالج المشكلات الداخلية والخارجية بالطرق السلمية وعلى وفق الآليات الديمقراطية المعترف بها دولياً.
* الاعتراف له بحقه في استخدام ثرواته وخيراته لصالح تنمية الاقتصاد الكوردستاني في إطار خطة إقليمية تنسق وتتكامل مع خطة إقليمية عربية وأخرى مركزية تشمل العراق كله، بما يساعد على تجاوز التخلف والأضرار الفادحة التي لحقت بالشعب الكوردي وإقليم كوردستان وبقية مناطق العراق.
* العمل على تنفيذ المادة 140 من الدستور العراقي الذي أقر في العام 2005 الخاصة بما أطلق عليها "المناطق المتنازع عليها" والكف عن المماطلة والتسويف في ما يخص كركوك وخانقين وغيرها من المدن، إذ بدون ذلك سيبقي الصراع وسيتحول إلى نزاع لا تعرف عواقبه.
فهل في هذا ما يتناقض مع مصالح الشعب العربي في العراق ومع بقية القوميات التي كانت وما تزال تعيش في هذه المنطقة من العالم؟ ليس في ذلك ما يتناقض مع هذه المصالح، بل فيها كل ما يتطابق مع مصالح العرب وما يفترض في العرب أن يمارسوه إزاء أنفسهم وإزاء القوميات الأخرى التي تعيش على أرض العراق. أي أن من حق العرب الكامل أن يقيموا في المناطق العربية فيدرالية أيضاً وتشكل مع الفيدرالية الكوردية الجمهورية العراقية الاتحادية أو الكونفدرالية ذات الحقوق والواجبات المتساوية، التي تحترم حقوق القوميات والجماعات الدينية والمذهبية المختلفة. وينظم هذه العلاقة دستور ديمقراطي حديث ودائم وحياة برلمانية تعددية حرة وقوانين ديمقراطية ومجتمع مدني ديمقراطي.
إن قناعتي ثابتة في أن العراق المتعدد القوميات لا يمكن أن تبنيه قوى استبدادية وعنصرية وشوفينية أو قوى إسلامية سياسية طائفية تميز بين أتباع الديانات والمذاهب وتختفي هوية المواطنة من قاموسها السياسي ولا تؤمن إلا بقوة السلاح في حل المشكلات الداخلية والخارجية. وبرهن الحكم الاستبدادي والعنصري المقبور على ذلك وعلى أنه غير مؤهل بالقطع لممارسة سياسات أخرى غير تلك التي مارسها حتى إسقاطه إزاء الشعب الكوردي بشكل خاص وإزاء الشعب العربي والقوميات الأخرى بشكل عام. ومن هنا كانت الحاجة إلى ضرورة تغييره لتوفير المناخ الضروري لبناء عراق ديمقراطي اتحادي جديد ومزدهر. إن المستبدين في العالم، ومنهم صدام حسين، هم الأكثر انفصالية وتمزيقاً للمجتمع والبلاد بسبب السياسات العدوانية والعنصرية التي يمارسونها إزاء الشعوب المتآخية في بلدانهم. وصدام ونظامه شكلا الخطر الحقيقي على وحدة النسيج الوطني العراقي.
*من جريدة التأخي.