نوري بريمو: هل ثمة تغيرات ألفية في شرق أوسطنا الجديد؟

نوري بريمو: هل ثمة تغيرات ألفية في شرق أوسطنا الجديد؟

مع تعمُّق وتفاقم الأزمة السورية جرّاء تعنُّت نظام الأسد وإنهيار جيشه الذي يقوم بتسليم معظم جغرافية البلد إلى أذرعه الأمنية وشبيحته وجماعاته الإرهابية المتعددة الأشكال والألوان، وبإنسحاب الجيش العراقي من المحافظات السنية وتسليمها للجماعات السنية المتطرفة والشيعية الأكثر تطرفاً، وبنشوب حرب اليمن وإنخراط السعودية وعدة دول عربية فيها، وبهيمنة داعش وأقرانها على ليبيا الخارجة لتوها من مظالم خيمة القذافي، وببروز وتنامي وإنتشار الجماعات الإرهابية في معظم بلدان منطقتنا رغم تشكيل تحالفين (دولي وعربي) لمكافحة الإرهاب على مركوب تشكيل إئتلافات محلية ومحاور طائفية وخنادق إقليمية وأحلاف دولية أدخلت وتُدْخِل المنطقة في دوامة عنف وعنف المضاد! وبوجود عوامل أخرى أدت إلى تحويل الحروب الباردة إلى حروب ناشبة بسخونة، وجعلت شرق أوسطنا يغرق في غياهب طور جديد يداهمه راهن عسكريتاري يتراقص أطرافه على قرقعات طبول حرب إقليمية بل كونية يبدو أنها لن تهدأ في الأمد القريب، إلا حينما يُنهَك الجميع ويؤدي واقع الحال إلى تقسيم المنطقة ورسم خارطة جديدة ونشوء دويلات سنية وشيعية وكوردية ودرزية وأشورية وأمازيغية وغيرها، خاصة وأنّ الأجواء باتت ممجوجة بالمجهول وقد لا تتحدَّد الملامح المستقبلية لهذه الساحة في الأفق المنظور، مما قد يفرض على دولها الحالية والمجتمع الدولي أن يراجعوا حساباتهم قبل فوات الأوان وأن يحتكموا إلى خيار الإعتراف بما يجري على الأرض.

وقد تلعب عوامل أخرى دورها وتؤجج الصراعات التي وضعت المنطقة على كف عفريت النزاعات البينية التي قد تتأزم أكثر فأكثر وتقصم ظهر البعير الشرق أوسطي، في حين يُجمع معظم المراقبين بأنّ هذه المنطقة باتت تواجه تحديات مصيرية، في الوقت الذي نجد فيه بأنه لا خيار أمام الجميع سوى الرضوخ للأمر الواقع وقبوله والسير صوب حق تقرير المصير لكل مكون قومي أو طائفي في هذه المنطقة التي يبدو أنها ستشهد تغييرات ألفية وليس مئوية.

ولعلّ هيمنة سلوك الاقتتال وطغيان التطرّف والتطرّف المضاد الناجمة بالأساس عن أحقاد قديمة ومصالح آنية، وسريان منهجية العنف في الملعب الشرق أوسطي في هذه المرحلة الموصوفة بأنها مفترق الطرق، قد يغيِّر اتجاه مؤشر بوصلة مختلف الأطراف المتناطحة صوب التباعد والإفتراق وتشكيل دويلات جديدة على انقاض الدول التي تم تشكيلها بموجب سايكس بيكو (1916م). ومهما حاول حكام أنظمة دول الشرق الأوسطية الآيلة إلى التقسيم، أن يهوَّشوا الرأي العام العالمي، ومهما تمسكوا بالكراسي وأرادوا الترويج لشعار ضرورات القضاء على بؤر التوتر والإرهاب للتخلص من مخاطر «النزعة الانفصالية» التي باتت فزاعة يومية يستنجد بها حكام بلداننا للحصول على احتضان عربي واهتمام إقليمي ودعم خارجي! فإنهم سيفشلوا في مسعى تسترهم على هذه القضايا العالقة والناشبة في عموم الأنحاء التي لن تهدأ في ربوعها المشاكل ما لم تحدث فيها تغييرات جذرية من شأنها أن تضع النقاط على الحروف حتى وإن أدت المعالجة إلى التقسيم الذي يبدو أنه قادم لا محال في ظل إصرار الشعوب على ممارسة حقها في تقرير المصير. ويرجح المراقبون إمكانية التدخل الخارجي المباشر ودخول المجتمع الدولي كطرف عسكري لإيقاف هذه الحروب والبدء بمفاوضات بين مختلف الأطراف المتنازعة، والسير نحو تحقيق طموحات كل مكون شرق أوسطي بلا تمييز.

وأمام هذا المشهد الشرق أوسطي، فإنّ الجانب الكوردستاني في إقليم كوردستان مثلا، قد تصرف بمنتهى الحكمة والدبلوماسية حينما أعطى الحق لنفسه بإستعادة مناطقه المستقطعة، وإرسال قوات البيشمركة للتمركز في تخومها دفاعاً عن أهلها الكورد ضد المخاطر المداهمة جراء الفوضى المسلحة والفراغ الأمني الذي خلّفه انهزام الجيش العراقي في تلك المناطق، ولعل إنتظار وترقب وإلحاح الشعب الكوردي على الرئيس مسعود بارزاني بأن يفوّض البرلمان في إتخاذ قرار إجراء استفتاء شعبي يقر بحق إعلان دولة كوردستان، حق مشروع وخطوة نوعية في الإتجاه الصحيح وتلاقي تأييداً جماهيريا واسعا لأنها ستحقق طموحات الآباء والأجداد، وهي تندرج في إطار سياسة الإحتكام لجادة الخيار الصائب والإقدام على الفعل المناسب في الزمان والمكان المناسبين، شريطة أن لا ننسى بأنّ المكوّن السني هو البادي في تقسيم العراق عبر إعلان داعش لـ «دولته الإسلامية» بالنيابة عن العرب السنة، مما قد يصبح حبل تشكيل الدول والإمارات والخلافات على جرار الحروب القائمة بلا رادع.

Rojava News 

Mobile  Application