بكر صدقي: حزب العمال الكردستاني إذ يلعب بالنار

بكر صدقي: حزب العمال الكردستاني إذ يلعب بالنار

تطورات الأيام والساعات الأخيرة في تركيا، على حدودها الجنوبية بخاصة، كانت مفاجئة في تسارعها على الأقل، وإن كانت مقدماتها الموضوعية تتراكم منذ سنوات. جزار دمشق سبق أن هدّد في مناسبات عدة، ومنذ السنة الأولى للثورة على حكمه، بـ «زلازل» ستضرب المنطقة إذا حاول أحد زعزعة نظامه.

تسارعت الأحداث ككرة الثلج منذ مجزرة سروج، التي راح ضحيّتها 32 من النشطاء اليساريين الشبان ممن قدموا من اسطنبول وأنقرة، في إطار حملة تضامن لإعادة إعمار بلدة كوباني الكردية، الواقعة على الطرف الآخر من الحدود في مواجهة سروج المنكوبة.

أدت هذه المجزرة إلى تحوّل حاد في موقف حزب العمال الكردستاني، وجد صداه أيضاً في الأداء الإعلامي لحزب الشعوب الديموقراطي، الذي أخذ خطابه يتشدّد. ففي حين دعا جميل بايك، أحد أهم القادة الميدانيين للكردستاني، جميع الكرد في تركيا إلى حمل السلاح «دفاعاً عن النفس»!، دعا نظيره السياسي، وعضو البرلمان، صلاح الدين دمرتاش إلى الاستعداد لتحقيق «الأمن الذاتي»!.

نعم، بعد دعوتين من عبدالله أوجلان، في 2013 و2015 على التوالي، لحزب العمال الكردستاني إلى التخلّي عن السلاح في صورة نهائية والانخراط في الحياة السياسية، وبعد وقف إطلاق نار مديد التزم به الحزب أكثر من الحكومة، يأتي بايك ليدعو من لم يتسلّ حوا بعد من كرد تركيا إلى حمل السلاح! وبعدما انخرط «الأبوجيون» في الحياة السياسية فعلاً، وحققوا إنجازاً تاريخياً بتجاوز حاجز العشرة في المئة، ودخلوا البرلمان بثمانين نائباً منتخبين من الشعب، بمن فيهم بعض الناخبين الأتراك، يتحدث دمرتاش عن «الأمن الذاتي»! (ترى هل يشمل ذلك وضع دشم وحفر خنادق داخل البرلمان لحماية الكتلة الكردية فيه؟).

لا يمكن ردّ هذا التصعيد المفاجئ إلى «فورة دم» أو ردة فعل غير محسوبة بعد مجزرة سروج. فقد واجه حزب أوجلان، بجناحيه السياسي والعسكري، مواقف أصعب ببرودة أعصاب و «ضبط نفس» يُحسد عليهما. حتى في حمأة ردة الفعل الغاضبة على موقف الحكومة من معركة كوباني، حين نزل الكرد إلى الشارع متظاهرين وقُتل منهم نحو أربعين شخصاً من نشطاء الكردستاني – الشعوب الديموقراطي، في تشرين الأول (أكتوبر) 2014، انتهى الأمر إلى وقف التظاهرات بدعوة صريحة من دمرتاش، ولم يجرِ الحديث عن أمن ذاتي أو حمل السلاح. فما باله اليوم لا يكتفي بالدعوات المذكورة، بل يتجاوزها إلى إطلاق سلسلة اغتيالات بحق الشرطة التركية ومدنيين بدعوى «تعاونهم مع داعش»؟! ويتبنى حزب قنديل رسمياً قتل أول اثنين منهما في مدينة أورفة! ليس هذا وحسب، بل يقطع مسلّحو الكردستاني الطرق العامة الواصلة بين المدن، فيوقفون السيارات العابرة، تحت تهديد السلاح، ويطلبون الهويات من الركاب ويحرقون بعض السيارات الشاحنة.

كأننا نتحدث عن حواجز النظام أو حواجز «داعش» وأشباهه من الميليشيات المسلّحة على الأراضي السورية الغارقة في الفوضى. حتى حواجز قوات حماية الشعب (الميليشيا العسكرية للفرع السوري لحزب العمال الكردستاني)، لا تتصرف في مناطق سيطرتها بهذه الطريقة. فما بال الحزب الأصلي وواجهته السياسية في البرلمان التركي، يدفعان بلدهما إلى المجهول؟ وهل يمكن البحث عن تفسير ما في التوقيت؟ أقرب ما يتبادر إلى الذهن، التحوّل الجديد في موقف الحكومة التركية من تنظيم «الدولة» (داعش)، في صورة متوازية مع تصعيد هذا الأخير ضد تركيا. أليس هذا ما كان يدعو إليه أصلاً الحزب الكردي؟ ألم يكن يتّهم الحكومة بالتساهل مع «داعش»، بل تقديم خدمات لوجستية له في حربه على كرد سورية؟ فكيف يقابل التغيير المرغوب بتصعيد من خارج السياق؟ ألا يبدو المشهد اليوم، بالنسبة الى أي مراقب محايد، كما لو أن تصعيداً منسقاً يجري ضد الحكومة التركية من جبهتي «داعش» والعمال الكردستاني المفروض أنهما عدوان لدودان؟

لعلّ الجديد حقاً، إذا وسّعنا زاوية النظر، هو إنجاز الاتفاق النووي بين إيران والدول العظمى، وما أوحى به ذلك من إطلاق يد نظام الملالي ليفعل، من خلال أدواته المحلية، ما يريد في الصراع الإقليمي الدائر. فإذا أضفنا هذا إلى التوافق الأميركي – التركي الذي تلا الاتفاق النووي المذكور، وفتحت تركيا، في إطاره، قاعدة إنجرليك الجوية أمام استخدام طيران التحالف الدولي ضد «داعش»، وحملة الاعتقالات التي تنفّذها السلطات الأمنية في تركيا ضد خلايا «داعش» التركية النائمة، ونجاحها في ضبط الحدود لمنع عبور الجهاديين المتعدّدي الجنسيات للالتحاق بقوات «داعش» في سورية...، ربما أصبح في إمكاننا فهم هذا التصعيد الكردستاني – الداعشي المتزامن والمتّسق.

كلما كدنا ننسى الطبيعة الوظيفية والأداتية لـ «الظاهرة الأوجلانية»، أعاد حزب العمال الكردستاني التذكير بأنه مجرد منفِّذ لأجندات استخبارية لدول.

أردوغان الذي لا يريد إنجاح تشكيل حكومة ائتلافية تخرج بلاده من حالة اللااستقرار، ويفضّل الذهاب، بدل ذلك، إلى انتخابات مبكرة، هو أبرز الرابحين من تصعيد الكردستاني – الشعوب الديموقراطي. ففي حين كان من الصعب على حزب العدالة والتنمية توقُّع نتيجة أفضل مما حققه في انتخابات 7 حزيران (يونيو)، بات اليوم، بجهود خصمه الكردي اللدود، قادراً على تحقيق غالبية مطلقة تتيح له مجدداً تشكيل حكومة بمفرده. فالأصوات التي اقتنصها الحزب الكردي من خارج قاعدته الانتخابية التقليدية، سيخسرها، وربما يخسر غيرها أيضاً، بعدما بات متهماً، مع ظهيره المسلّح، بتصعيد أعمال إرهابية صريحة لا يمكن الدفاع عنها حتى بمنطق «التحرر الوطني» القديم لدى الكردستاني، فيسقط مجدداً تحت حاجز العشرة في المئة ويصبح خارج البرلمان.

تُرى، هل نشهد، في الأيام المقبلة، إعلاناً صريحاً من «الكردستاني» بالانضمام إلى سلسلة الميليشيات التابعة لإيران، كما في العراق والبحرين وسورية ولبنان واليمن؟ وهل كان أول ظهور تلفزيوني، خارج تركيا، لصلاح الدين دمرتاش، عقب فوز حزبه في الانتخابات، على «قناة الميادين» الإيرانية الهوى، وتقريظه لـ «المقاومة» اللبنانية من على شاشتها، إيذاناً مبكراً بهذا الانضمام الصريح؟.

Rojava News 

Mobile  Application