د. جواد الآومري: الكلمة الكوردية

د. جواد الآومري: الكلمة الكوردية

صورة تاريخية مختصرة عن مسيرة اللغة الكوردية في سياق تطورها .و اللغة هي دعامة أساسية للقومية ، ولا تقلّ شأنا عن الدعّامتين الأخريين :الوطن والتاريخ في حياة الشعوب ، ولذلك فان الأقوام الغازية لأرض الكورد كانت تسعى دائما الى السطو على المخزون القاموسي للغة الكوردية وتقتبس(تسرق) منه مفردات وجذور وكلمات ، ثم تخرجها وكأنها مفردات وكلمات من صميم لغاتها . أي أنها كانت تحاول تفريغ اللغة الكوردية من حيويتها وامتصاص دمها حتى تطبّ اللغة الكوردية في فترة "اغماء" انحطاطي أو مرحلة "سبات أو غيبوبة" ، وبالرغم من أن اللغة الكوردية فاقت من هذا السبات ، لكنّها فاقت بأبجدية "دوخانة"! بين الأبجدية اللاتينية التركية (أبجدية أتتاتورك) وأبجدية سيباوي للعربية والفارسية ، فاقت بنثر علمي وأدبي هزيل! ولذلك من حقّها الطبيعي ، أن تبحث الآن عن ما تسرّب من حيويتها ، وتحاول الآن ارجاع هذه المفردات واستعادة هذه الكلمات من اللغات التي سطت على اللغة الكوردية . ولمّا كانت بلاد الأنهار موطنا للأبجدية ، ولمّا كان الكورد متعارضين ومتفارقين بسبب غياب المجمع اللغوي الكوردي وفقدان الأبجدية البوصلة ، وتستحيل وحدة الكلمة والاتفاق على دقة معناها بدون الأبجدية البوصلة . لذا فان الخطوة الأهم للغة الكوردية هي ايجاد الأبجدية البوصلة (أبجدية لاتينية جديدة تضم 33 حرفا ، حسب رأي أنا ) ـ هذه الأبجدية التي تنسجم مع صوتيات اللغة الكوردية الآن وفي هذا الحاضر ، هذه هي الخطوة التي ستنهي فترة "الاغماء" التاريخي ، وهذه الخطوة تنهي الحرمان الذي بقيت اللغة الكورية العظيمة صامدة رغم الاقتباسات الجارحة والسرقات المؤلمة .

وبالرغم من كثرة عمليات السطو على اللغة الكوردية وجسامة الاقتباسات منها ، فان الجذور الكوردية لابد وأن تظهر في هذه الكلمات المسروقة عاجلا أم آجلا ، ومهما كان التحوير والتحريف والتبديلات الحروفية فان معدن الجذور الكوردية للكلمات لابد أن يظهر بعد ازالة الغبار من عليها . وبعدئذ يجب على اللغويين الكورد استخدام هذه الجذور دون حرج ، و كذلك زيادة الكلمات والمصطلحات المشتقة من هذه الجذور، ولنضرب في ذلك مثالا .

قد تبدو للوهلة الأولى مفردات على شاكلة  با شيل ،با جيل ، با تشالا ) معلومات غريبة على الكوردي المعاصر ــ حامل اللغة الكوردية ، واذا وسعّنا التبديلات الحروفية نحصل على :

با شيل = با تشيلا = با سيلا = با زيلا = با خيلا = با قيلا = با غيلا = با جيلا =بابيلا = باعيلا = با علا = باعل = بعل ، سيل ... Ba shil , Ba chila , Ba jil , Ba yil , Ba cil , Gel, sil كل هذه الكلمات متكافئة لغويا بالتآصل التاريخي ، ورغم التحولات الحروفية والاختزالات التي تحدث بالزمان والمكان لأن كل اللغات تسعى دائما من خلال مسيرتها التاريخية الى اختصار الحروف بما يلائم بنيتها وقواعدها ونحوها . ولمّا كانت اللغات الهجائية تكتب بالأبجدية المقصورة ، التي تعتمد الحروف القصيرة (التي لاتقبل مدّ الصوت) وتهمل الحروف الطويلة (التي تقبل مدّ الصوت) ، لذا فان الكلمات المشتقة قد تكون على نحو : بازلاء (شوقلا) ، باغلا، بقلا ، بقول، بقلة ،بقّال ، بقالية ،باعيلا ،باعل، بعل ، بعلي ، غلّة ... باسيل ، VASIL ، جيل ،سيل (سيول، سيولة ، سيلان) ... بلل...

لكن ، بعد ازالة الغبار التاريخي والتحويراللغوي الغريب، نرى الجذور الكوردية الأصيلة أي ، با : هواء ، جو ،ريح ،محيط ،عند ،حول، طقس،مناخ . وشيل: رطب ، رطوبة ، ندى ، نقع ، بلل ... وعليه فان باشيل تعني بالكوردية حرفيا : هواء رطب ، ريح رطبة ، مناخ رطب ، طقس رطب ، جو رطب...وأمّا مجازيا فان باشيل تعني بالكوردية (الهورية) : دالّة الطقس الرطب (اله الجو الرطب أو رب الرطوبة ) ، وباقتباس اله الرطوبة باشيل الى اللغة الآرامية ثم الى اللغة العربية الهجائية تحوّل اله الرطوبة الى "باعيل" ثمّ باختصار الياء والحرف الطويل " ا " وتعويضه بالفتحة ، صار اله الرطوبة يسمى " ب ع ل "، وبعد أبجدية سيباوي (منذ حوالي 1200سنة من وقتنا هذا) صار اله الرطوبة " بعلا" . ومن ثم صارت المحاصيل الزراعية التي لا تحتاج الى "السقي" تسمى "بعلية" و "بقلية" و"بقول" و" باقلة " و" بقلة" و"بسلة " ... وكما أنّ اله الرطوبة "باشيل" دخل الى لغات أخرى على شكل اسم علم "باويل" و "باسيل" و "باسل" و " Vasil " و"Vasily " ودخلت كلمة جيل Gel الى اللغات الأوروبية لتعني مرطّب ... كل هذا ! وبقيت اللغة الكوردية أم الجذرين : "با" و"شيل" بدون ورثة . ولذلك على اللغويين الكورد استخدام المصطلح "باشيل" وتوسيع مرادفاته ، مثلا : باشيل ـ طقس رطب ، باشيلي ـ رطوبة الهواء (نسبة الرطوبة) ، باجي ـ بعلي . باجارما ـ جو(طقس)حار ، باسارما ـ جو بارد (طقس مغيّم) ، بايازما (باياسنا) ـ جو صحو ... والى جانب اله الرطوبة باشيل ، ثمة اله آخر في مخزون اللغة الكوردية (الهورية) ، ألا وهو اله "الرعد والمطر" باران (VARAN أو VARUN ) وهنا أيضا تعني با : هواء ،جو ، محيط ، طقس ... و" ران " : مطر ، وعليه ، بارانا ـ جو ممطر(طقس مطر) ، ودخلت كلمة RAN الى اللغة الانكليزية بمعنى " مطر" .

Rojava News 

Mobile  Application