بلجيكا: رعب بين أوساط الجالية المسلمة، والمحجبات يتخوفن من الخروج إلى الشوارع

بلجيكا: رعب بين أوساط الجالية المسلمة، والمحجبات يتخوفن من الخروج إلى الشوارع

Rojava News: الناس خائفة، وخاصة النساء المحجبات اللاتي يخشين الاعتداء عليهن في شوارع بلجيكا، في أعقاب الهجوم الذي استهدف المجلة الأسبوعية الفرنسية الساخرة (شارلي إيبدو)». بهذه العبارة بدأ الشيخ محمد التمامي حديثه لـ«الشرق الأوسط»، عقب إلقاء خطبة الجمعة في مسجد الحامدين بحي أندرلخت، أحد أحياء بروكسل التي يقطنها غالبية من الجالية المسلمة، وخلال الخطبة كان ما حدث في فرنسا هو الموضوع الرئيس، وأضاف الشيخ التمامي أن هناك علامات استفهام كثيرة وراء توقيت الحادث، وقال: «لماذا جرى الاعتداء في هذا التوقيت رغم أن نشر الرسوم المسيئة للإسلام كان منذ فترة؟ والمنفذون من خلال ما نشر من فيديوهات، واضح أنهم حصلوا على تدريبات لتنفيذ مثل هذه الأعمال، فمن قام بتدريبهم؟ ومن أين لهم بهذه الأسلحة التي كانت بحوزتهم؟ وخاصة أن الشرطة الفرنسية معروفة بقوتها وعملها الصارم».

 

وحول المطلوب من الجالية المسلمة وقياداتها الدينية يقول الشيخ التمامي: «لا بد أن نكون على درجة عالية من اليقظة والوعي، وعلينا أن نوضح الأمور لأبناء الجالية، وهذا ما تناولته في خطبة الجمعة، وأيضا مساجد أخرى في بلجيكا تناولت هذا الأمر، وطالبنا بأن لا يكون هناك تسرع في اتخاذ القرارات والحكم على الأمور، وخاصة أن السلطات الفرنسية لم تعلن حتى الآن عن كل التفاصيل وملابسات الحادث». ويوضح الشيح التمامي أن الدين الإسلامي يدعو إلى التسامح والتعايش مع الآخر واحترامه، وأن مثل هذه الجرائم محرمة، كما أن كل الديانات تحرم قتل النفس، ويرى الشيخ التمامي أن «هناك ضرورة للعمل المشترك من الجميع على المستوى الشعبي والرسمي، وأيضا الإعلام له دور كبير لتوضيح الأمور، والخلاصة أننا نعيش في سفينة واحدة فإن نجت نجونا جميعا».

 

وحسب الكثير من المراقبين هنا في بروكسل، يخشى أبناء الجاليات الإسلامية والعربية في أوروبا، وخصوصا في بلجيكا، أن يضطروا لدفع ثمن تصرفات قلة متطرفة منهم لا تشعر بالانتماء إليها. ويتعزز هذا الشعور لدى الكثير منهم في ظل ارتفاع أصوات تطالبهم بالتحرك والنأي علنا بأنفسهم عما حدث في باريس.

 

ولكن بعض المثقفين البلجيكيين يرون عكس ذلك، ويؤكدون أن على أبناء الجالية المسلمة في البلاد التصرف والتعبير، ولكن ليس بشكل استثنائي أو مختلف. ويشير الفيلسوف إدوارد ديل روييل إلى ضرورة أن تنطلق تحركات المسلمين من مبدأ المواطنة وليس الانتماء الديني أو العرقي. وشدد المحاضر في جامعة لييج البلجيكية على أن ما حدث في باريس يطرح إشكالية مهمة، وهي «أين يتوقف الدين؟ وما حدوده؟ فإذا لم نطرح هذا السؤال، فسوف ندخل في منطق الحرب»، حسب قوله. ودعا ديل روييل إلى العمل على تقديم فكرة إسلام معتدل يقبل النقد والنقاش.

 

ومن وجهة نظر الكثير من المراقبين في بروكسل فإنه بعد الهجوم الذي وقع في باريس استفاقت أوروبا على واقع طالما حرصت على تجاهله، فهناك شريحة، ولو قليلة، من الأجيال الشابة من المهاجرين ترفض الاندماج مع نمط الحياة الغربية، بمقابل حالة سخط واستياء متزايد من قبل الشعوب الأوروبية أمام ارتفاع معدلات الهجرة وتمدد النفوذ الإسلامي. ولكل هذا آثار وخيمة على التقاليد الخاصة بحرية التعبير والتسامح الديني وتماسك المجتمعات الأوروبية، وأيضا على أبناء الجاليات العربية والمسلمة خصوصا، التي ترغب في العيش وممارسة دينها بسلام في المجتمعات الأوروبية.

 

وعن هذه الإشكالية، عبرت الممثلة العليا للأمن والسياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني، خلال أحدث تصريحاتها، بتأكيدها أنه يتوجب على دول الاتحاد ومؤسساته العمل على كل المستويات الداخلية والخارجية للمساهمة بشكل أنشط في مواجهة الخطر الإرهابي. وذكرت موغيريني أن للمشكلة أبعادا داخلية وخارجية، وقد يكون بعضها مرتبطا بالسياسة الخارجية والداخلية، وبعضها ثقافيا. ولعل إصرار المسؤولة الأوروبية، في أكثر من مناسبة، على البعد الثقافي والاجتماعي للظاهرة يعبر عن الاعتراف بأن أوروبا أهملت هذا الجانب لسنوات كثيرة، ما أوصل الأمور إلى ما هي فيه الآن، من وجهة نظر المحللين هنا في بروكسل.

 

وتسعى موغيريني، حسب مقربين منها، إلى «استخدام» واقعة «شارلي إيبدو» من أجل تحفيز بعض الدول غير المكترثة، وإقناعها بأن الوقت قد حان للمساهمة بشكل أكثر فعالية في العمل الجماعي والمتعدد الأطياف لحل مشكلة التطرف.

 

وتصر الأوساط الأوروبية على ربط فكرة التطرف والإرهاب بمشكلة ما بات يعرف بـ«المقاتلين الأجانب». ورغم عدم وجود تعبير أوروبي موحد لظاهرة المقاتلين الأجانب، فإن الربط يعني أن دول الاتحاد تعي أن الخطر لا يأتي فقط من الداخل، بل من الجوار الجنوبي الغارق في الصراعات والتطرف والفوضى. وكان الاتحاد الأوروبي اعتمد منذ 20 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي ما سماها «استراتيجية» لمواجهة الإرهاب والتطرف والتصدي لمواجهة المقاتلين الأجانب، ولكن الدلائل تشير إلى أن رؤية المستقبل لا تزال غير واضحة تماما في بروكسل.

 

ومن غير المتوقع أن يرى العالم قرارات أوروبية قوية في وقت قريب: «لا نزال في مرحلة الألم والصدمة، ولكن علينا، رغم ذلك، التفكير جيدا لاتخاذ قرارات صائبة»، وفق تعبير المسؤولة الأوروبية. وتقول تقارير إعلامية في بروكسل: «تداعيات الحدث، الذي توج من ناحية عنفه سلسلة أحداث سابقة في فرنسا، لن تقتصر على المدى القصير؛ إذ هي انعكاس للنار التي تغلي تحت الرماد في المجتمعات الأوروبية؛ فالجاليات العربية وخاصة المسلمة في أوروبا ستدفع ثمن تطرف قلة من أفرادها تعاني من تأزم الهوية، وتعتقد أن الغرب يشن هجوما على المسلمين والإسلام». ويعتقد الكثير من المراقبين أن أووربا «العلمانية» تعيش موجة إرهاب خطيرة جديدة تنبع من المواجهة بين المسلمين أنفسهم، خاصة ما يجري في العراق وسوريا.

 

ولكن الباحث في الشؤون الإسلامية في بلجيكا، محمود راموسي، يرى أن الدول الأوروبية تتحمل جزءا من المسؤولية؛ إذ تأخرت في التعامل مع الظاهرة في مهدها: «فقد تجاهل المسؤولون على مختلف المستويات، عمدا أو سهوا، أن هناك فئة من المجتمع على وشك الانفجار»، وفق كلامه.

 

ويقول الشيخ نور الدين الطويل الداعية الإسلامي، وهو أيضا عضو المجلس العام للهيئة التنفيذية التي ترعى شؤون المسلمين في بلجيكا: «إن ما حدث في فرنسا يعد مصيبة لكل المسلمين في أوروبا التي ستشدد رقابتها الآن على كل المسلمين، ومنهم المواطنون العاديون في الشارع».

 

وقال إن الهيئة التنفيذية للمسلمين في بلجيكا دانت الحادث وبشدة، ونددت بهذا الفعل، «ولكن من وجهة نظري التنديد فقط لا يكفي، لا بد من تحرك مشترك للجميع؛ لأن المؤتمرات والندوات هنا وهناك لن تحل المشكلات، بل لا بد من حلول ونتائج واستراتيجية واضحة للحفاظ على هؤلاء الشباب».

 

وأشار إلى أن الغرب والدول الإسلامية لديهما مسؤولية مشتركة لمواجهة انحراف الشباب إلى الفكر المتشدد؛ لأن البعض يرى أن عدم إيجاد حلول عادلة لمشكلات العالم العربي الإسلامي، ومنها مشكلات منطقة الشرق الأوسط، وخاصة ما يحدث على الأراضي الفلسطينية، سيزيد من أتباع الإرهاب، كما أن الدول العربية والإسلامية عليها أن تعمل من أجل نشر مزيد من العدالة الاجتماعية والحريات، وبالإضافة إلى ذلك فإن الجاليات المسلمة في أوروبا أيضا لها دور يجب أن تقوم به من أجل البناء، والتفاهم، وإعطاء صورة إيجابية عن الإسلام، وهناك دور مهم للآباء في مراقبة أبنائهم وتوجيههم، وأيضا للأئمة دور في نشر الفكر المعتدل.

Rojava News 

Mobile  Application